بيار أبي صعب كانت خليدة تومي لكثيرين بيننا، خلال تسعينيات القرن الماضي، رمزاً من رموز التصدّي للظلاميّة والإرهاب الذي يختبئ خلف الدين. جسّدت نموذج المرأة الجزائريّة التي واجهت غلاة الإسلاميين. كانت المناضلة والمثقفة التي رفعت صوتها عالياً دفاعاً عن قيم المجتمع المدني وحقوق المرأة وغيرها من قضايا الحريّة والعدالة. في تلك السنوات الصعبة، كان المثقفون يقتلون في الجزائر، وكان البلد الذي عاش في وجدان العرب أيقونة التحرر من الاستعمار قد انهار شيئاً فشيئاً تحت نير الحزب الواحد، والقهر السياسي والاجتماعي الذي انفجر على رؤوس الجميع.
ثم دار الزمن دورته، وإذا بالـ«جزائريّة الواقفة» (عنوان كتاب عن تجربتها، فلاماريون، باريس ـــــ 1995) التي حكم عليها المتطرّفون بالموت، تصبح وزيرة للثقافة. كان الإرهاب قد ترك مكانه للفساد بكل أشكاله، ومع ذلك، فإن بعض المثقفين توقّعوا منها الكثير... لكنّ الخيبات تعاقبت، ورائحة الفضائح تسرّبت من الكواليس. منذ أيّام، باتت تومي تحتل «مكانة» مختلفة: لعلّها ستبقى، في وجدان معاصريها، بصفتها الوزيرة التي أقالت المدير العام للمكتبة الوطنيّة الجزائريّة، أمين الزاوي... لأنّه ارتكب جرماً لا يغتفر، اضطرّت خليدة تومي إلى أن تتبرّأ منه شخصيّاً أمام الرئيس بوتفليقة. لقد دعا هذا المثقف النقدي «إرهابياً خطراً» لإلقاء محاضرة في حرم المؤسسة العريقة التي يشرف عليها. الضيف المزعج، مشعل الحرائق، اسمه... أدونيس. لقد ذكّرنا، قبل أقل من أسبوعين، في الجزائر، بأنّه ما زال من منارات الوعي العربي البديل، في أزمنة الانحطاط والردّة. في محاضرته «نحو ممانعة عربيّة جذريّة»، انتقد «الفكر الديني الذي يحول دون دخول العرب زمن الحداثة»، بحكم «إخضاع الوحي للتأويلات السياسيّة والمذهبيّة بدوافع قبليّة وإيديولوجيّة وسلطويّة». وانتقد «تمجيد الماضي بوصفه مرجعاً فقهيّاً مطلقاً وكاملاً، غير قابل للنقد وإعمال الفكر التحليلي»... ولم يفت صاحب «الثابت والتحوّل» أن يوضح أن نقده يطول الدين «مؤسسةً ونظاماً، لا وحياً وتجربة إيمانيّة». لكنّ ذلك لم يهدّئ من روع الجماعات المتشنّجة التي تخشاها السلطة الفاسدة أكثر من أي وقت مضى. «أراجيف وقحة من شاعر ملحد وإباحي»، قال الشيخ عبد الرحمن شيبان. وسمعته معالي الوزيرة التي قررت، هذه المرّة، أن تنتصر للإسلاميين.