خضر سلامةنجح فريق طبي ألماني في إثبات إمكان إجراء تحليل سريع لتركيبة الحمض النووي (DNA) بواسطة اللايزر المزود بنبض، مع إمكان استخدامه يوماً لإصلاح التحولات التي تطرأ على الحمض النووي، أو من أجل ابتكار حاسب للحمض الذي يمثّل تتابعه الكود الجيني للإنسان. هذا الاستنتاج كان نتاج محاولة حل لغز بيولوجي مضنٍ، يدور حول المقاومة التي يبديها الحمض النووي أمام الأشعة ما فوق بنفسجية، هذه الأشعة التي تستطيع نظرياً أن تدخل تغييراً في معادلات الحمض، وخصوصاً في تذبذباتها العالية (وخاصةً الفئة B)، حيث تحدث تحولاً كيميائياً في الـ DNA، على مستوى عنصري الثيمين والسيتوزين، ما ينتج في نسخة لاحقة للجينة، ما يسمى في لغة الطبيعيات تحولاً أو mutation.
ولكن، مقابل هذه النظرية والتأثير المفترض للأشعة الما فوق بنفسجية، تبدو الكروموزومات البشرية مقاومة شرسة ضد آثار هذه الأشعة، الدراسات التي أجريت، برهنت على وجود ميكانيكيات معينة تحفظ الثبات الضوئي، أي مقاومة الجسيمات المتعددة الذرات (molecules) للأشعة الضوئية، لكنها لم تستطع شرح هذه الميكانيكيات على مستوى حركة الحمض النووي.
هذا إذاً، ما حاول فردريك تمبس، ونينا شوالب فهمه وحله، من معهد الفيزياء والكيمياء في جامعة كييل بألمانيا، بواسطة لايزر قادر على إرسال نبضات قادرة على قياس الوقت على مقياس فمتومتري (10 بقوة -15) وبمقارنة معطيات عدة عن الحمض النووي خلال تفاعلات عادية وحالات ولادة، أثبت الباحثان تبايناً بين تجاوب الحلقات الحمضية حسب تسلسل الأحماض التي تحتويها، بما معناه، أن حلقة الـ DNA لا تملك كلها قوة المقاومة نفسها ضد الأشعة الما فوق بنفسجية، بل تتفاوت حسب محتواها الحمضي وتسلسلها، أو على حد تعبير تمبس فإن «تسلسل حمضين متشابهين، أو ملاقاتهما لوصلة هيدروجين، بين حلقتين، عوامل تلعب دوراً هاماً في مقاومة الحمض النووي لآثار الأشعة الما فوق بنفسجية».
الفوارق المثبتة، تتبع عملية فيزيائية، تقوم على توجيه نبض اللايزر إلى كل سلسلة أحماض على حدة، تمتصّ الجسيمات الحمضية الطاقة وتحوّلها إلى فوتونات، وهي العملية التقليدية الكلاسيكية المسماة fluorescence. نينا شوالب وفردريك تمبس نجحا بدقة بقياس الوقت المختلف بين كل سلسلة وأخرى، بحد أدنى 100 فيمتوثانية، يتصاعد ليصل أحياناً إلى آلاف أضعاف هذه المدة في سلسلة أخرى.
هذه التجربة، تفتح الباب أمام آمال كثيرة بتقنيات جديدة، فمثلاً يمكن استخدام هذا اللايزر لرسم سلسلة الـ DNA بشكل دقيق وعلمي وسريع، بشكل يوفر الوقت الذي تستنزفه العمليات الكيميائية التقليدية المستعملة حالياً لرسم الخريطة الجينية، كما يأمل الباحثون بأنهم إذا استطاعوا فهم هذه الظاهرة بشكل أدق، فإنهم سيستطيعون أيضاً وصل كل جينة بخصائصها الفيزيائية المفترضة بشكل موثق وأكيد، وأخيراً، على المدى البعيدة، فإن نبض اللايزر يمكن أن يكون تقنية معقولة لاستبدال أحماض بأخرى داخل تركيبة الـADN من أجل العودة من تحول – mutation معيّن.
احتمالات استعمال الحمض النووي في صناعات نانو بنيوية، سبق أن وضعت قيد التجربة، إلا أن الباحثين يؤكدان أن عملهما يمكن أن يفتح نافذةً جديدة لإعادة دراسة الموضوع، وإمكان تصنيع ترانزيسترات بواسطة أحماض نووية تعمل على وصلات هيدروجينية!
وأخيراً، الأهم في هذه الدراسة، هو إثبات التواصل المهم بين مختلف فروع البحث العلمي، كأن يضع عالم فيزياء كهنا، طاقتيهما وبحثيهما في خدمة علم الكيمياء الطبيعية مثلاً، والأهمية البالغة لتبادل المعرفة والخبرة، للاستفادة من تداخل الشؤون البحثية بعضها ببعض.