ميرا صيداويخليل يحدثني عن لغة الرواية في هذه المدينة الشامية العتيقة، وأصحاب كثر يلتفون حول صديق يجاورني. نقاش وتذمر، الأسعار هنا ترتفع. إنهم يستغلون تاريخ هذه القهوة. يعلّق أحدهم بحماسة: إنها قهوة الاستعراض الأخير… أردّد في داخلي: أريد بحر بيروت، بات دخان الشام يخنقني...
أهرع، أقطع الحدود، أمرّر جواز سفري بتعب شديد، أفكر في النوم بينما تتدافعني أيادي المنتظرين في الصف. أسألهم: أين أقف؟ يضحك أحد الضبّاط: أنت فلسطيني وتقف في صف اللبنانيين؟ توقفت برهة مشدوهاً، فأنا ولدت في بيروت ولم أعرف مدينةً سواها... لكنني فلسطيني.
للمرة الأولى اكتشف هويتي. الفلسطني هناك مع العرب في الخانة ذاتها. أقف بين البين. التعب ينتهك أجزائي، رائحتي ياسمين دمشقي. ثيابي مبعثرة. ألبس جينز made in Lebanon وكنزة سورية الصنع، وأنا بين البين، وصدى طفولتي يعلو في داخلي: اشتقت لبيروت.
أخيراً أسمع صوت الختم السحري على جوازي. لقد عبرت. إذاً ها أنا أدخل بيروت لأفتحها من جديد.
أصل الحمراء وأشتم رائحة القدامى متأمّلاً المحال المفترسة في هذا الشارع العتيق «الجديد». بعد أسبوع لم تتغير هذه المدينة. المقاهي لا تشبهني. يحكّ الندم جلدي. أسأل لماذا عدت؟
بيروت المدينة المتقلبة ترفضني. أركض نحو الروضة لأرى البحر يخترق السماء. أراقب أصواتاً صفراء. أصدقاء يتحدثون بالإنكليزية. وذاك الفنان ينفخ نرجيلته باحثاً عن ميلودراما يرقص فيها على ألم الناس.
أعود مخذولاً إلى غرفتي الصغيرة. أطبق جفوني وأنا بين البين. اشتقت للشام...