ليال حدادفتاة في السابعة عشر من عمرها، تهرب من بيت أهلها العام 1978 لتتزوّج شاباً فلسطينيا في ...جونية. تقصد العروس بيت شقيقها بعد تكليلهما في إحدى كنائس المنطقة، «كنت خائفة من ردة فعل أهلي، لو علموا أن أياد فلسطيني» تقول المرأة. «قلتلها بقبل بهالزواج بشرط واحد، الأولاد بسجلهن على إسمي»! ثلاثون عاماً مرّت على هذه الحادثة، ولا يزال الشقيق البكر، الياس الكفوري، وهو بالطبع اسم مستعار، يتذكر تماما الجملة التي قالها لأخته وقتها. أما سبب هذا الطلب الغريب، فرغبة الاخ بإعطاء هويات لبنانية لأولاد اخته المقبلين ، ما يؤمّن لهم حياة أفضل.وهكذا حصل. بعد عامين ولد الابن الأوّل، جورج.. الكفوري. لم يحمل الطفل إسم والده الحقيقي ولا هويته، «لم تكن الدولة موجودة وكانت الكتائب اللبنانية والقوات تحتّل المنطقة، هل تتخيلين طفلاً فلسطينياً يلهو في شوارع جونية؟».
توالى أطفال الشقيقة، أربعة بعد جورج، يمنى، دانيا، ميشال وصوفي، سجّلهم خالهم كلهم على إسمه، فأصبح عنده قانونياً تسع أولاد، أربعة من زوجته، وخمسة من شقيقته وزوجها.
بدأ الأطفال يكبرون، وبدأت علامات الاستفهام حول هويتهم تظهر. «ليش عيلتنا مش متل عيلة البابا؟» سأل جورج أمه يوم بلغ العاشرة من عمره. حاولت المرأة شرح الوضع له، إلا أن الولد كان صغيراً ليفهم حسابات الكبار، وخصوصية وضع الفلسطينيين في لبنان. انتهت الحرب، وكبر الأولاد وتزوّجوا في ظل اسماء وهويات كاذبة. اليوم، يجلس، الصهر الفلسطيني أياد مطر، نادماً على كل ما قام به، «صحيح أنني أنا من ربّى أولادي، وأن الجميع يعلم أنهم أولادي، إلا أن النظر إلى هوياتهم ورؤية إسم خالهم مكتوبة في الخانة المخصصة للأب تسبّب لي غصّة». وغصّة الرجل مبرّرة ففي كل مرة وقف أولاده أمام استحقاقات مصيرية في المدرسة أو في الحياة عامةً كان وجود خالهم ضروري قانونياَ أما وجوده فضرورة.. عاطفية ومعنوية فقط. أما الكفوري، فيؤكّد أن ما قام به كان «عين العقل، وإلا لا كان ميشال اليوم مهندس ولا دانيا محامية». إلا أن هذه الكذبة القانونية لم تمرّ دون مشاكل، فحين كان ميشال في الخامسة عشر من عمره، تشاجر مع أحد الشباب وطعنه بالسكين في رجله، وكان على الخال تحمّل المسؤولية القنونية بما أن الشاب قاصر، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يندم فيها الكفوري على تسجيل الأولاد على إسمه «بس قطعت على خير وحذرتن إنو المرة اللي جايي مش رح إسأل على حدا». وماذا عن رأي الأولاد؟ تؤكّد صوفي «لا أستطيع تخيّل حياتي كفلسطينية في لبنان، أنا أدرس الهندسة، لو كانت هويتي فلسطينية لكان هذا الاختصاص مستحيلاً». وتؤكّد الفتاة أنها في حال تزوّجت أجنبياً «سأسجّل أولادي على إسم أحد إخوتي إلى حين تدرك الدولة أن للأم حقوقاً مشابهة لحقوق الأب».