محمد بنعزيز *لجأت بعض الأحزاب أخيراً إلى إشراك رياضيين وممثلين ومطربين في مهرجاناتها ولقاءاتها التواصلية مع الجمهور. وقد كان لهذه المبادرة نتائج إيجابية، مكّنت حزباً مغربياً نشأ في خلال شهر من تنظيم مهرجانات حاشدة، بحيث في كل مرة ينظم ذلك الحزب لقاءً أو ندوة، كانت القاعات تمتلئ عن آخرها. وقد مكّنت هذه الأساليب الدعائية الجديدة الحزب من احتلال الصفحات الأولى للجرائد. فبينما كانت الصحف المستقلة تنتقد الحزب الناشئ ــ «حزب الأصالة والمعاصرة» ــ لأنه مقرب من السلطة ويقف وراءه صديق الملك، السيد فؤاد عالي الهمة، كانت أيضاً تتسابق لنشر صور النجوم الذين يدعمون الحزب. وإذا حسبنا نقد الكلمات ودعاية الصورة، فقد كانت الكفّة تميل للدعاية.
يحرص الحزب الذي يلعب هذه اللعبة على ألا يعلن عن أيديولوجية واضحة قد تُنفّر البعض، لذا يعزف على وتر العموميات، مثل خدمة المصلحة العامة والدفاع عن الحرية وتحقيق الرفاهية... وتمثيل خَلطة الأصالة والمعاصرة، الماضي والمستقبل. في هذا المشهد، يكون حضور النجوم وسيلة لتجميع المعجبين، وحين يتجمعون للترفيه، يستغل قادة الحزب الفرصة لإلقاء خطاباتهم على أمل استقطاب أنصار لهم. تقوم هذه الخطة على توظيف رصيد المشاهير الإعلامي لخدمة هدف معين.
وقد كان الإعلان التجاري أول من لعب هذه اللعبة، وما زال يلعبها بكثافة. وانتقل الأمر إلى السياسية، وقد قال مارتن هايدغر، إنه سيأتي يوم يُنظر فيه للملاكم كرمز وطني. يبدو أن هذا اليوم قد حلّ، فالنجوم الذين يحضرون التجمعات الحزبية بصفتهم الرمزية، يفترض أنهم يجسدون قيم الحزب، بل قيم دولة بكاملها، وقد ضم فلاديمير بوتين الكثير من لاعبات الجمباز والتنس إلى حزبه «روسيا الموحدة».
لكن من يرمز إلى أميركا، باراك أوباما النحيف أم مايك تايسون المفتول العضلات؟ أميركا بوش أقرب إلى الخيار الثاني، ومن المعلوم أن تايسون غدر بخصمه وعض أذنه. لننتظر أميركا أوباما ونرى. في الحالة المغربية، ليس لدينا ملاكمون، لدينا عدّاؤون، أشهرهم هشام الكروج. ما هي رمزية العدّاء؟ ليس القوة البدنية، بل التفوق والنجاح والشهرة، مما يمكّن العداء أن يصبح أيقونة. لذا يعمد قادة الأحزاب إلى محاولة استقطاب الشباب عبر استقطاب أيقوناتهم.
يبدو أن سبب هذه الحيلة هو ضعف اهتمام الشعب بأنشطة تلك الأحزاب، مما يجعل الحضور باهتاً، والمتابعة الإعلامية ضعيفة أو منعدمة. أما وقد جربت تلك الأحزاب دعوة النجوم إلى أنشطتها، فقد كان في ذلك فائدتان: أولاهما تزايد الجمهور المتابع لأنشطة الحزب، والثانية تزايد المتابعة الإعلامية لتحركاته، مما يمنحه إشعاعاً وطنياً، وهذه خطة ناجحة لمكافحة العزوف السياسي.
خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2008، اتبع حزب صديق الملك هذه الاستراتيجية، التي مكّنته من بث الرعب في صفوف خصومه، وخاصة وهم يرون كثافة المتابعة الإعلامية وفعالية الحملة المدبرة للاستقطاب، حتى إن الصحافة بدأت تتحدث عن تعيين السيد الهمة وزيراً أول بعد الانتخابات الجزئية ليوم 18-09-2008.
يكفي أن تشرعن صناديق الاقتراع شعبية الحزب الجديد ليتولى الرجل المنصب باستحقاق. وقد كانت الأمور محسومة، حتى إن ثلاثة أرباع الأحزاب المغربية لم تقدم مرشحين للتنافس على شغل المقاعد الشاغرة عن مدينة مراكش. ومما زاد من هذه التوقعات أن «حزب الأصالة والمعاصرة» رشح معتقلين سياسيين سابقين تصالحوا مع السلطة.
يوم التصويت، كان يوم الحساب والعقاب: لم يحصل الحزب على أي مقعد، رغم المتابعة الإعلامية الكبيرة، فإن نتائج صناديق الاقتراع كانت صغيرة، وقد اتضح أن تلك اللعبة التواصلية، الرائعة طيلة ثمانية أشهر، كانت تعاني خطأً صغيراً، وهو اعتبار المعجبين بأي نجم أنصاراً، وإذا التحق ذلك النجم بحزب ما سيصبح معجبوه أوتوماتيكياً أنصاراً لحزبه.
هذا افتراض لا أساس له من الصحة، لأن المعجب والنصير مختلفان جذرياً. للمعجب علاقة عاطفية بنجمه، نشأ الإعجاب عن صورة أو شريط، ونادراً عن لقاء شخصي، البعد مصدر مهم لزيادة الإعجاب. للمعجب معاييره، يجذبه المظهر والأناقة والصوت... المعجب تجلبه الفرجة، والنصير تدفعه القضية، الانتماء لتنظيم ما عقلاني. النصير شخص جرى استقطابه ميدانياً، يؤمن بفكرة، يطالب ببرنامج، يعلن توجهاً سياسياً، يشارك في علاقات تنظيمية تتوخى القرب، يلتزم مهمّات ويطالب بالمحاسبة، وكلما طابق الفعل البرنامج المعلن، زادت علاقة الوفاء بين النصير وتنظيمه.
تتطلب نصرة حزب أو تنظيم ما، أن توجد بين أنصاره قواسم مشتركة على مستوى فهم العالم وتحليله؛ معجبو النجم لا يوفرون هذا الشرط، وبالتالي فإنه ليس من الممكن تحويل المعجبين إلى أنصار. حضور المغني ــ النجم يعطي للحدث الحزبي صدى إعلامياً، لكن لا يترتب على ذلك أي معنى سياسي.
قد ينتهي الحفل ولا يتكوّن لدى المعجب أي ولاء سياسي تجاه الحزب المعني، يحضر المعجب للاستمتاع بنجمه، سواء نظّم السهرةَ حزب أو متعهدُ حفلات.
تروج الاستراتيجية الدعائية الجديدة لحل خاطئ ومضلل، وهو مؤسس على فرضية أن نقص الفرجة هو الذي يصد الناس عن الاهتمام بالأحزاب. يكفي إذن توفير الفرجة والترفيه في اللقاءات الحزبية. تخفي هذه الحذلقة أزمة عميقة تعيشها الممارسة السياسية في المغرب، كان تجليها الأبرز هو ضعف المشاركة في انتخابات أيلول / سبتمبر 2007، التي لم تتعدّ مشاركة خمس المغاربة الذين يحق لهم التصويت. ويفسّر هذا الوضع بتراجع الاهتمام بالشأن العام.
مقاطعة الانتخابات وتراجع الاهتمام بالشأن العام نتيجة لا سبب، وتلك المقاطعة مبنية على تحليل مسبق. فأكثر من مليون مغربي لم يكلفوا أنفسهم عناء تسجيل أنفسهم في اللوائح الانتخابية، وجلهم شباب.
وإذا جمعنا بيانات عن المعجبين الذين يتزاحمون في مهرجانات الأغاني، فسنجدهم يمثلون فئات عمرية شابة تعتبر السياسة مللاً، وحضورهم حفلاً حزبياً لا يغير موقفهم. بل إنه من المشكوك فيه استخدام الترفيه أداةً للتعبئة السياسية، إذ السائد والسهل هو استخدامه لتشجيع اللاتسيس، وذلك بصرف اهتمام الشباب نحو مسابقات اختيار أحسن مغنٍّ وأحسن راقصة وأحسن لاعب وأحسن عارضة أزياء... الترفيه وتكثير المعجبين بالنجوم يؤديان إلى عكس الأهداف المعلنة للأحزاب، لذا يجب البحث عن حلول حقيقية. يجب ملاءمة العرض السياسي مع المطالب الشعبية، يجب تجاوز مظاهر العبث السائد. لقد تغيرت الكتلة الناخبة، انتقل الثقل السكاني من البوادي إلى المدن، ومع ذلك تضمن الحيل الانتخابية أن يأتي أغلب نواب البرلمان من البوادي.
حالياً، يوجد كل الطيف السياسي في الحكومة، وكل الطيف السياسي في المعارضة. يشارك في الحكومة يسار ويمين وقوميون ومتصوفة، وكذلك في المعارضة. القيادات الحزبية الهرمة تعض على الكراسي بالنواجذ. آخر مثال مقزز كان ليلة 09-11-2008، اختتم فيها حزب الاتحاد الاشتراكي الجولة الثانية من مؤتمره الذي بدأ منذ خمسة أشهر، وكان شعار المؤتمر هو «حزب جديد». وانتخب المؤتمرون قائداً للحزب كان عضواً بالبرلمان منذ 40 سنة، ويبلغ من العمر 73 سنة. أين الجديد؟ للإشارة، سبق لهذا الحزب أن نظم لقاءً جماهيرياً بمغني هيب هوب يستخدم معجماً داعراً.
بعد كل هذه المهازل، يشتكي قادة الأحزاب من تدهور المشاركة الشعبية في الانتخابات. تعتقد الأحزاب أنها تستطيع خداع الناخبين، لذا لا تجد ضرورة للتحدث إليهم، أو ليس لديها ما تقوله لهم، وهذا يفسر أن من بين 34 حزباً مغربياً، 27 لا يملكون أي منبر إعلامي. للالتفاف على صعوبات التعبئة السياسية، يجري اللجوء إلى حيل عابرة لتجميع الناس، لتقديم المعجبين بالنجوم كأنصار للأحزاب، وهذا تضليل تفضحه صناديق الاقتراع.
* صحافي مغربي