إيلي شلهوبمن لم يزل يعتقد بأن زمن العجائب قد ولى، فما عليه إلا توجيه نظره إلى بغداد، حيث انقلب شبه الإجماع، بقدرة قادر، من معارض للاتفاقية المشؤومة، إلى مؤيّد لها، رغم أنها تحوّل بلاد الرافدين، بنص قانوني عراقي، إلى محمية أميركية، ولو لثلاث سنوات.
ومع ذلك، لا بد من الثناء على قدرة المعنيين على ابتداع نص كهذا يجد فيه الجميع ما يلائمه؛ إدارة جورج بوش يمكنها الادّعاء، بكل ثقة، أنها تمكّنت من تشريع وجود قواتها في العراق من دون المرور بالكونغرس، أو عبر دهاليز مجلس الأمن ومواجهة الشيطان الروسي، وأنها نجحت في إبقاء الولاية القضائية على جنودها، والمتعاقدين معهم، بيدها في الأحوال كلها، ولا يكلفها ذلك سوى إصدار «أمر مهمة» لأي متهم بارتكاب جريمة جنائية. حتى الموعد النهائي المحدد بـ31 كانون الأول 2011، يبقى رمزياً، من وجهة نظرها، إذ وحدها «التطورات الميدانية» تحدد زمن الرحيل.
كذلك الأمر بالنسبة إلى معسكر باراك أوباما، الذي وفّرت عليه المعاهدة المذكورة عناء تسلّم الملف العراقي مفخخاً بـ«أزمة شرعية». كما أنها حددت تاريخاً للانسحاب أبعد بنحو 20 شهراً من الأشهر الـ16 التي تعهّد بها الرئيس المنتخب لإنجاز هذه المهمة، ما يعطيه وقتاً إضافياً لترتيب أوضاع جبهات القتال في أكثر من مكان.
أما بالنسبة إلى الأطراف العراقية المنضوية تحت لواء العملية السياسية، فيوفّر لها نص الاتفاقية ما يكفي للادّعاء بانتزاع «تنازلات» تُعيد السيادة. أما الخارجون عنها أو المتمرّدون عليها، كهيئة علماء المسلمين والتيار الصدري، فيكفيهم أنها ضمنت شرعية عراقية المصدر للاحتلال حتى ينقضوا عليها.
وهي أيضاً حال إيران، التي ما كان ممكناً إمرار الاتفاقية من دون موافقتها. لعلّها أرادتها مبادرة حسن نية حيال أوباما. وسوريا التي يبدو امتعاضها يعود بالأساس إلى ضرورة حفظ ماء الوجه بعد اعتداء البوكمال، وواقعة بيع هذه الخطوة لإدارة بوش من دون الانتظار لمساومة خلفه عليها.
اتفاقيةٌ النقاش في ضرورتها على قاعدة «قدرات الجيش العراقي» يبدو ساذجاً. هل هناك من يعتقد حقاً بأن الأميركيين نجحوا بجهودهم الذاتية في ضبط الأمن بمعزل عن تعاون سوريا وإيران؟