صارت عمليات التجميل أمراً عادياً بالنسبة للإنسان المعاصر، وخصوصاً أن تكلفتها، ونتائجها، لم تعد كما كانت منذ عقود، مخيفة. وحتى المصارف أخذت تقرض الراغبين بإجرائها، كما حصل مع أحد المصارف اللبنانية، ما أثار نقاشاً كبيراً بشأن «أخلاقية» ذلك. أما الأهم، فكونها لم تعد حكراً على النساء. فالرجل أيضاً قد ينشغل بمظهره الخارجي. قد؟ يبدو الأمر أكثر من ذلك.. بكثير
محمد محسن
دخل أيمن السبع إلى غرفة الجلوس حيث انتظره أصدقاؤه للفرجة على «ماتش» مانشستر ليفربول. «شو يا أقرع كيفك؟» يمازحه بعض الجالسين، يوحي جوابه بأنّه معتاد على هذا المزاح «الحمد لله يا أبو كرش». ترتفع ضحكاتهم ويبدأ كل منهم يعيّر الآخر بـ«خلل» في شكله الخارجي. «قوم حط لك دانك» يقول أحدهم لقصير القامة بينهم. لا يتوانى الأخير عن الرد على صاحب الوجه الذي يعاني من حب الشباب، أما «الجسر» الذي يضعه حسين فوق أسنانه، فالكثيرون يتساءلون «أين كان في حرب تمّوز؟». في لحظة تسكت جلبتهم: لقد بدأت المباراة.
يشكو الجميع إذاً من مشكلة ما في شكلهم الخارجي قد تعيق حصولهم على شيء ما. أهو فتاة؟ أهو وظيفة؟ المهم أن الرجال مقتنعون اليوم بأن شكلهم مهم. فمتطلبات بعض الوظائف لا ترحم، والشكل الخارجي في بعض الوظائف قبل الكفاءة العلمية، وقبل بند الطائفة «البديهي»، في مواضع عديدة. صارع أستاذ مادة الطبيعيات محمد مكّاوي صلعته طوال أعوام ثلاثة. يئس منها بعد محاولات إصلاح متواضعة، كاللجوء إلى الأدوية والشامبوهات المقوية. الأمور بقيت على حالها، لم يفلح في التخلص من لقب «الأصلع» بين أفراد عائلته. بعض الانتكاسات العاطفية لم تؤثر على رأيه، فظلّ الشكل ثانوياً، ونسي الأمر نهائياً بعدما تزوج.
بقي محمد على هذه الحال حتى جاءت نقطة التحول. صبّ غضبه على «الصلعة» التي «جعلت أحد الزملاء يقدر سنّي أكبر من عمري الحقيقي بعشر سنوات». توجهت أنظاره نحو مركز لزراعة الشعر، وتمت العملية بنجاح، ولكن بكلفة باهظة. تغير شكل محمد واستغرب الكثيرون فعله. لم يكترث للانتقادات، محاولاً تخفيف الأمر بقوله إن فعله «من باب تحسين المظهر لا أكثر ولا أقل».
المشكلة الكبرى الأخرى عند الرجال: الكرش. أسبابها متعددة، لا تبدأ بالتعود على المأكولات السريعة المليئة بالدهون، ولا تنتهي عند العوامل الجينية. قد يمكن القول إن ثلاثة أرباع الشباب اللبنانيين يعانون من مشكلة الكرش بعد الثلاثين. ولكن المقلق أن الكرش بدأ ظهوره عند أولاد العشرينيات، ربما بسبب المأكولات السريعة الرائجة بينهم. أما المحك فهو السنة الدراسية ثم موسم البحر. البطن الكبير أو ما يسمّى شعبياً بالكرش، مزعج للكثيرين. فهو يعيق «صيد الحريم» على الشاطئ، إن كان لأهداف عابرة أو مستدامة: في العمل والجامعة.
لجأ كمال حريري لأساليب عدّة، للتخلّص من كرشه أو ما يصفه بـ«عقدتي». أساليب التخلص من الكرش ليست بسيطة، مع أن تكاليفها أقل بكثير من تلك المتعلقة بالصلع. تتغير أولوياته مع هذه الاستعدادات «أزور نادياً رياضياً يومياً، وأتبع حميةً غذائية». المخطط يستمر شهرين بانتظار النتيجة. جسم نحيف وخال من التعرج بداية حزيران من كل عام، ويستمر هكذا إلى بداية الموسم الجامعي. يدخل في هذا السياق العلاج «الطبيعي» الذي جربه هيثم المولى (24 عاماً) لاستنبات شعر في صلعته المبكرة. هكذا جرّب علاجاً، بلغت تكلفته مئات الدولارات في ثمانية أشهر، وبدأه «نزولاً عند رغبة الوالدة» التي «نزلت» بدورها عند نصيحة جارتها، التي تروي أن ابنها نبت وبره بعد علاجه في الإمارات.
شهور مضت والنتيجة طفيفة جداً. انتهت القصة بعد مشهد تلفزيوني: لاحظ المولى أن شعر طبيب الأعشاب الذي كان يروّج لمستحضره في برنامج أسبوعي، يخف شيئاً فشيئاً! فتساءل حينها تساؤلاً «ذكياً»: «ما دام دواؤه فعالاً، فلماذا يصلع أكثر في كل حلقة جديدة؟». هكذا قرر القبول بالصلعة، وخصوصاً أنها «لن تؤثر على عملي وعلاقاتي».
يشاركه علاء حمادة الرأي، ولكن في مسألة السمنة. فهو ينظر إليها من باب الصحة لا أكثر. وإلا فاهتمام الرجل بجماله «يؤثر سلباً على ما يفترض أن يكون عليه دوره في المجتمع». يتّهم حمادة أكثرية المهتمين بشكلهم بالـ«رضوخ» لطلبات الجنس اللطيف الذي يمكنهم اجتذابه برأيه، بطرق أخرى. يبدأ بتعداد تلك الطرق: «المال، العمل، الشخصية وخفة الدم». يؤكدّ الشاب العشريني أن «الشكل بات من آخر الأشياء التي تجذب الأنظار»، وخصوصاً أنه بمجرد معرفة الفتاة بأن «الجميل» خضع لعملية تجميل «ينزل من عينها»، ضارباً مثال زراعة الشعر.
غير أن بعض الأمور التي تثير الاستغراب، وخصوصاً في المناطق الفقيرة، بدأت تنتشر بشكل بطيء، ولكن ملحوظ. أصبح بعض الذكور مهتماً بحاجبيه أكثر من المعدّل الطبيعي، فلجأ بعضهم إلى تقويسهما أو حتى شطب أحدهما، وقد يصل الأمر إلى ثقب أحدهما (piercing). وقد يسعى البعض إلى مجرد «تلوين» الشكل لا تغييره صناعياً عبر «تسمير» البشرة، الذي يستغرق ساعة أمام آلة التسمير، وغيرها من المستحضرات التي كانت حكراً على الإناث. ومن المعروف أن شركات التجميل بدأت بإصدار مستحضرات خاصة للرجال شبيهة بتلك التي كان جزء منهم ينتقد النساء لكثرة استعمالها.
تتحدث لور أبو ملحم، وهي اختصاصية في مركز لزراعة الشعر، عن «زبائن من كل الأعمار، ابتداءً من 20 حتى 70 عاماً». ترتبط كلفة العمليات بكثافة الشعر المطلوب زرعه، فتتراوح بين «1000 دولار كبداية ثم تتجه صعوداً فتصل أحيانا إلى 7000 دولار». كل الأمر يتعلّق بما يطلبه صاحب العملية: «غرّة، صلعة كاملة، أم كمية شعر بين الاثنتين». تروي عن مجموعة من الزوار الذين لا يأتون لزرع شعرٍ في الرأس، بل في أمكنة أخرى.. كالحواجب والشاربين ومنطقة الذقن و«السكسوكة». لا تربط الاختصاصية أمر زراعة الشعر بعامل نفسي، بقدر ما تربطه بتحسين المظهر، إلا في بعض الحالات. فبعض الشباب «يبدو عليهم التعب النفسي حين يفقدون شعرهم في فترة لا تتجاوز الثمانية أشهر». وعن جنس الزبائن تعطي الاختصاصية نسبة 90% من الزوار للرجال، فيما لا تتجاوز نسبة النساء الـ10%. لكن ذلك لا شك يعود إلى أن الرجال يصابون بالصلع بشكل أكبر بكثير من صلع النساء.


تصغير الثدي