فايز فارسلفتت انتباهي صورة صغيرة في أسفل صفحة أخبار العالم في يوميّة بيروتيّة الأسبوع الفائت. صورة صغيرة لكنها معبّرة جداً. السيد ديفيد ولش يودّع رئيسته الوزيرة كوندوليزا رايس بطريقة لم تشهدها السيدة رايس من قبل... حتى في لبنان، حيث رجال السياسة عوّدونا على الفتحة المشرقة والضمّة الحارة، وبخاصة عندما كانت تزورهم بهدف رفع معنوياتهم جراء كسرة خاطر أو سكون حطّ على رؤوسهم.
النص المرافق للصورة يفيدنا بأن «مهندس» إحياء عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين منذ مؤتمر أنابوليس، السيد ولش قد قدّم استقالته قبل أقل من شهر على انتهاء ولاية الرئيس جورج بوش الابن. وصرّحت السيدة رايس في هذه المناسبة الدقيقة، قائلة لمستشارها «كان لك تأثير بالغ الأهمية على أمن بلادنا والدفاع عن قيمها والسلام والأمن والازدهار في منطقة تفتقر إلى كل ذلك». وجاء ردّه قائلاً «كانت لي فرصة العمل على القضايا الأكثر إثارة
للاهتمام».
هذان التصريحان لا يحتاجان من أجل فهم مضمونهما، إلى أستاذ في العلوم السياسيّة والعلاقات الدوليّة، أو إلى محلل سياسي بارع وما أكثرهم في هذا العالم العربي. إذ صار معلوماً أنّ أمن أميركا لا يتحقق وسلامها لا يتمدد وازدهارها لا يقوم إلّا على حساب أمن بقية الشعوب والأوطان وسلامها وازدهارها في هذا العالم التائه، وخاصة شعوب عالمنا العربي.
وها هو السيد ديفيد هيل مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط يزور بيروت لأيام ويجول على المسؤولين والمرجعيات، بهدف استطلاع الآراء والمواقف لدى زعماء هذا البلد الصغير، وما أكثرهم «متل الهم على القلب». وعلى عادة رئيسته وزملائه، أكد لمستقبليه أنّ أميركا مستمرة في دعمها للبنان الحرّ السيّد المستقل عن الجميع ما عدا أميركا، وطمأن المشكّكين حتى لا نقول المتردّدين إلى أنّ لبنان سيخوض انتخابات حرّة وعادلة، وستكون مناسبة للشعب اللبناني حتى يختار قادة يأخذونه نحو مستقبل يحفظ استقلالهم.
في المشهد الأول، أعتقد أنّ السيد ديفيد ولش أراد، عبر عناقه الحار لرئيسته، التعبير عن شكره وامتنانه لها لأنها قبلت استقالته في هذا الوقت العصيب. إذ تأكد له أنه لن يعود مرة أخرى إلى أي بلد من تلك البلدان التي يتجرأ فيها الصحافيون، على سبيل المثال لا الحصر، على قذف بعض زوّارهم مهما علا شأنهم بحذاء عتيق...! كما أعتقد أنه تمنى عليها أخذ الحيطة القصوى حتى لا تتلقى بدورها ضربة حذاء آخر عندما ستأتي إلى المنطقة في زيارتها الوداعية المتوقعة مطلع السنة المقبلة، وخاصة أنها سيدة رائعة لا تستحق أن ترمى سوى بالورود
والياسمين.
في المشهد الثاني، أعتقد أن السيد ديفيد هيل (هيلا يا واسع) لم ولن يرد على سؤال من المفترض أن يكون قد طرحه عليه أحد مستقبليه اللبنانيين: هل سنلقى المصير نفسه الذي أصاب «حماس» بعد فوزها في انتخابات تشريعية فلسطينية قال عنها الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، إنها كانت حرّة ونزيهة؟