عدلان مدي *صادق مجلس الوزراء الجزائري الأسبوع الماضي، على مشروع قانون «مكافحة الجريمة الإلكترونية» الذي ينص على جملة من الإجراءات، تحدد آليات رقابة استخدام الإنترنت ومحاربة «الجنح» المرتبطة بالشبكة الافتراضية. وعند الإعلان عن هذه الترسانة القانونية، انطلقت أصوات معارضة لتشكك في نية السلطة، معتبرة أن المبادرة الرسمية، التي كالعادة لم يسبقها أي نقاش مفتوح، تهديد صريح للحريات في بلد تنحصر فيه فضاءات التعبير يوماً تلو الآخر.
تفصيلاً، تنطوي الإجراءات المعتزم تطبيقها على ضبط الرقابة على الفاعلين في قطاع الإنترنت، كفرض دفتر شروط ورخص جديدة لمموّني خدمات الإنترنت، وإلزام هذه الشركات بالحفاظ على المراسلات الإلكترونية لمدة سنة. كما سوف تجبر مقاهي الإنترنت على التجهز بكاميرات مراقبة، وستُفعّل حملات تفتيش تقوم بها مصالح الأمن.
وقد جاء أول تعليق ناقد لهذه الإجراءات من مسؤول شركة «ايباد» الحكومية لخدمات الإنترنت، حيث صرح لجريدة «الخبر» أن مشروع القانون لم يستهدف بدقة مشكلة تخريب المواقع والحواسب والمراسلات والبيانات واختراقها، كما أنه يرى أن النص لم يحدد الإجراءات ضد التعدي على الملكية الفكرية أو الرادعة للمواقع الدعائية للإرهاب أو الإجرام. بل ذكر مدير مؤسسة خدمات الإنترنت أنه ملزم قانونياً من جانب مقاهي الإنترنت أيضاً، بحفظ بيانات المستخدمين.
وشرح أحد الفاعلين في القطاع أن معظم المواقع الرسمية وأنظمة رسائلها الإلكترونية، تسير من خار ج البلاد، «فعن أي منطق مكافحة الجريمة وحماية المواقع نتحدث؟».
فلماذا إذاً إنشاء مثل هذه الترسانة الردعية؟ هل ينوي النظام الجزائري اتّباع النموذج التونسي أو الصيني لقمع حرية التعبير على الإنترنت؟
ذلك ما ذهب إليه العديد من المعلقين والصحافيين، وكذلك مدوّنات ومجموعات «الفايسبوك». ولكن «بالنظر إلى طبيعة النظام الجزائري المضادة للحريات، فإن ما يثار بشأن «مكافحة الجريمة الإلكترونية» لا يعد إلا غطاءً لمراقبة الإنترنت والمنتديات والمدونات والنشرات الإلكترونية... أي كل ما يفلت من قبضة السلطة المركزية»، بحسب ما يكتب المعلق الصحافي والمؤلف شوقي عماري في عموده بجريدة «الوطن». ويتساءل عماري «هل قُرصنت مواقع رسمية؟ هل هوجمت بنوكنا على الإنترنت؟ هل حُوّلت الأموال عبر الشبكة الافتراضية؟ لا. فالقراصنة الجزائريون لا يهتمون إلا بتحميل الأفلام وتفكيك شفرات القنوات التلفزيونية».
بدوره، يشير قرصان إلكتروني جزائري شاب (هاكر) إلى أنه «ليس هناك شبكة إنترنت في الجزائر حسب المقاييس العالمية، ولا نظام بنكي افتراضي»، مضيفاً: «ليس هناك ما نهاجم صراحةً... فلماذا تسعى السلطة إلى حماية ما ليس له وجود؟».
«الهاكر»، وهو طالب بجامعة عاصمية، يتابع «صحيح أنه يجب مراقبة المواقع الجهادية أو الإرهابية... لكن ما لا أفهمه هو أن مصالح الأمن الخاصة مجهزة منذ مدة بتقنيات تقصي هذه المواقع، بل من يزورها». فقد كشف تحقيق نشرته جريدة «الوطن» في نيسان / ابريل 2007، أن المصالح الخاصة فككت ثلاث شبكات لمترشحي الانخراط في تنظيم «القاعدة» بالعراق، وذلك بتقصي مراسلاتهم الإلكترونية مع مسؤولي التجنيد «الجهادي».
وعلى «الفايسبوك»، عبّر العديد من الجزائريين عن مخاوفهم من الإجراءات الجديدة التي سوف يصوت عليها البرلمان، و هو مجرد غرفة تسجيل لأوامر الحاكم، كرجل واحد. «يجب ألا ننسى انبهار السلطة الجزائرية وإعجابها بالنموذج القمعي التونسي» يذكر الصحافي والمدوّن فيصل مطاوي في أحد منتديات «الفايسبوك». ألم يصرح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ورئيس وزرائه أحمد أويحيى أن «تونس مثال سامي في الديموقراطية». ومن آخر آيات «الديموقراطية» في بلاد زين العابدين بن علي حظر «الفايسبوك» لمدة شهرين... مع العلم أن عشرات المواقع الإخبارية أو المعارضة تبقى ممنوعة في تونس بن علي. «بعدما منعت السلطة الجزائريين من التظاهر السلمي، ولو لمساندة سكان غزة المحاصرين، لمدة 16 سنة، ها هي الآن تريد ضبط حريتنا في المشاركة في منتديات الإنترنت والمدونات، بل تريد أيضاً منعنا من أن نتواصل في ما بيننا»: هذا ما نقرأ في تقديم «غروب» على «الفايسبوك» عنوانه «لإنقاذ حريتنا على الإنترنت» الذي يعد من المجموعات الأكثر نشاطاً في ما يسمى بالجزائر الافتراضية... والغاضبة.
* كاتب جزائري