ما هو مصير امرئ يتناول أدوية منوّمة ومهدئة منذ نعومة أظافره؟ السؤال مباح ما دامت بعض الأمهات مستمرات في إعطاء أطفالهن الرضع هذه الأدوية لحثهم على النوم، أو لتهدئتهم. يصعب بالطبع تحديد مدى انتشار هذه الممارسة، ولكن المخيف أنه مع سحب الأدوية من الأسواق، وجد بعض الأهالي بدائل لها، وهم لا يدركون مدى خطورتها على صحة الطفل الجسدية والنفسية، بل يتبجحون بأن الصغير يجب أن ينام ليرتاح جسمه

حلا ماضي
تذكّر يارا صديقتها لورا التي لم تتمكن من متابعة دروسها، كانت «بطيئة الاستيعاب»، لورا هذه الابنة البكر لعائلة من أربعة أولاد جميعهم يعانون المشكلة نفسها، وقد توقفوا عن الدراسة بعد الصف الرابع المتوسط. تذكر يارا أن والدة هؤلاء الأولاد كانت تحكي أمام جاراتها بأن استخدام دواء المنوّم يهدئ الطفل، ويجعل الأم تتفرغ لأمور البيت «لا يبكي ولا بيوجعلي راسي». كبرت لورا، ولكن إعطاء الأدوية المنومة للأطفال ممارسة ما زالت شائعة، وبطرق وأساليب متنوعة، إذ يستعين بعض الأهالي بها أو بالأودية المهدئة لحثّ أطفالهم على النوم باكراً أو في أوقات محددة. واستناداً إلى الهيئة الأميركية للدواء والغذاء (FDA) فإن نسبة استخدام تلك الأدوية في العالم ازدادت، «ليتعاطاها» نحو 30 في المئة من الأطفال في العالم. وقد طالبت الهيئة الشركات المصنّعة لتلك الأدوية بأن توضح أضرارها ومخاطرها.
الأدوية المنومة أو المهدئة تؤدي، بحسب الاختصاصي في طب الأطفال الدكتور عباس مكي، إلى حساسية شديدة، وانتفاخ شديد في الوجه، ومشاكل في السلوكيات المتعلقة بالنوم، مشيراً إلى أن المهدئات تعمل من خلال تثبيط بعض المراكز في الجهاز العصبي، ما يسبب حالة من الهدوء المصحوب بالاسترخاء دون إحداث النوم للتقليل من التوتر والقلق.
أما الدواء المنوّم فهو الذي يؤدي إلى النوم ويستخدمه عادة المصابون بالأرق، هو ذو تأثير على مستقبلات معينة في الخلايا، وقد تسبب هذه الأدوية أرقاً للطفل، وتدنياً في الشهية، وطنيناً في الأذنين وتشوّشاً ذهنياً، إضافة إلى ظهور أعراض لاحقة لا تظهر مباشرة على الطفل. فهي تؤدي إلى تأخر النمو العقلي، وذلك يبدو واضحاً خلال سنوات الدراسة. الاستعمال المتكرر و«العشوائي» لتلك الأدوية يؤدي أيضاً إلى اضطراب في الجهاز التنفسي المزمن، كالتهاب القصبات، إضافة إلى اضطرابات في الإحساس وعدم القدرة على تحمّل الأصوات والضوء.
وفي هذا الإطار، يلفت الدكتور محمد عيتاني، وهو عضو في جمعية طب الأطفال في لبنان، إلى أن استعمال بعض الأهالي اليومي لتلك الأدوية يؤدي إلى الاضطرابات في النوم، سببه إدمان الجسم على تلك الأدوية، إضافة إلى ميل الطفل نحو العنف والاعتداء على الآخرين.
وإذا تناول الطفل جرعة كبيرة من المنوّمات أو المهدئات، فإنه بالتأكيد سيعاني نوعاً من التسمم. تجدر الإشارة إلى أن تلك الأدوية تحتوي على مادتي «البارابتيورات» التي تُعدّ أخطر من الأدوية التي تضم مادة «البنزوديازينات» التي تعمل على أجزاء محدودة في المخ.
ويشير عيتاني إلى أن نسبة استعمال الأدوية المهدئة والمنوّمة للأطفال يجب أن تكون «صفراً»، ولكنها في لبنان مرتفعة نسبياً حتى ولو لم تصل إلى نسبة متوسطة، إلا أنها من الناحية الطبية تبدو مقلقة.
فأطباء الأطفال قد يضطرون في حالات خاصة جداً إلى وصفها لبعض الأطفال الذين يعانون مَرَضياً قلّة النوم، مما يؤثر على سلوكياتهم العامة. إلا أن لكل طفل حالته الخاصة كوزنه وعمره وعدد الساعات التي لم ينم خلالها. وإذ يشير عيتاني إلى أن قلّة النوم لا ترتبط فقط بالأرق أو حيوية الطفل، بل هي مرتبطة بأسباب مَرَضية وعوامل محيطة، مثل كثرة الضجيج في المنزل والخلافات بين الأهل وانعكاساتها النفسية على الطفل، مما يسبب حالة من القلق والاضطراب الداخلي.
ويقول عيتاني «صحيح أن الطفل قد ينام ساعات طويلة فيرتاح الأهل، ولكن تأثير الاستعمال المتكرر لتلك الأدوية يظهر لاحقاً على الطفل، فتضطرب ذاكرته ويصاب بعدم القدرة على أداء المهمات التي تستوجب بعض المهارة والانتباه».
من جهته، ينفي نقيب الصيادلة في لبنان صالح دبيبو وجود أدوية منوّمة ومهدئة خاصة بالأطفال في لبنان، منذ أن تبيّن خطرها على الأطفال، وقد سُحبت منذ سنوات من الأسواق، مشيراً إلى أن مراقبة الدواء وحظره يحصلان بالتنسيق مع وزارة الصحة اللبنانية، ومن تلك الأدوية «Terelame»، إلا أن ذلك لا يلغي وجود أدوية أخرى يلجأ بعض الأهل إلى شرائها من الصيدليات كأدوية السعال لـ«الاستفادة» من آثارها الجانبية المسببة للنعاس والنوم، والمشكلة هنا أصبحت أخطر، إذ إن أدوية السعال لها شروط معينة، وخاصة إذا كانت «السعلة ناشفة» فيحتوي الدواء على «الكوديين» المستخرج من «الأفيون المخدر»، وهذا الأخير يجب أن يصفه طبيب الأطفال المختص استناداً إلى تشخيص حالة الطفل. وللإشارة فإن ذلك الدواء يضطر الطبيب إلى وصفه لفترة قصيرة للطفل لأنه يعمل على بعض مراكز الدماغ لإيقاف السعال.


من يتحمل المسؤولية؟

يشير دبيبو إلى أن الصيدلي لا يتحمل وحده المسؤولية في بيع الدواء، فمن حيث المبدأ والقانون لا يجوز بيع الدواء دون وصفة طبية، وهذا موضوع تطبيقه نسبي، إضافة إلى أن العوامل الاقتصادية الصعبة تدفع الأهل إلى التوجه مباشرة إلى الصيدلية لشراء الدواء دون المرور بالطبيب.
ويضيف دبيبو «استناداً إلى «شهادات» الصيادلة في هذا الموضوع، فإن معظم الناس لا يقولون إذا كان الدواء للطفل أم للبالغ حتى لو سأل الصيدلي! مشيراً إلى أن الموضوع مرتبط بنسبة الوعي والإدراك لدى الأهل أولاً وأخيراً».
كلام دبيبو لا ينفي ما تتداوله أمهات عن أدوية منوّمة يجدنها في بعض الصيدليات، ولكنها تُباع بطريقة سرية، أو تباع تحت ذرائع منوّعة كتهدئة أوجاع المعدة.