محمد محسن
يصعب على محبّي المأكولات التقليدية تصديق واقع أن كيلو الفريك البلدي، قد أصبح سلعةً صعبة على جيوب الفقراء. ما السبب؟ تبدو الإجابة عن هذا السؤال صعبة التصديق أيضاً، حين نعرف أن كيلو الفريك البلدي المصنوع من القمح، هو أغلى مئة مرة من السعر العالمي لكيلو القمح، كما أن هذا السعر يساوي عشرة أضعاف سعر كيلو القمح البلدي. فسعر كيلو القمح عالمياً هو 10 سنتات، أما سعره لبنانياً فهو دولار ونصف، ما يعني أن سعر كيلو الفريك يكاد يقارب العشرة دولارات.
يجد زائر الدكاكين ومحال الحبوب وحتى السوبر ماركت الضخمة، فارقاً في السعر بين نوعين من «الفريكة» كما يحلو للبعض أن يسمي هذه السلعة صاحبة اللون الأخضر: النوع الأول، وهو «البلدي» الذي تشتهر القرى الجنوبية خاصةً في بيعه، عبر التعاونيات الزراعية الموجودة فيها، أو عبر المزارعين الذين يؤمنون طلبات «التوصاية سنوياً». والنوع الثاني، وهو ذاك المستورد من الخارج، وخصوصاً من سوريا. ويبدو الاختلاف بين النوعين قوياً، وتحديداً على مستوى الأسعار. إذ لا يتجاوز سعر كيلو الفريك السوري مثلاً، عتبة الأربعة آلاف ليرة، في الوقت الذي يحجم الكثير من الزبائن عن شراء الفريك البلدي لارتفاع سعره.
ما هي أسباب هذا التفاوت؟ هل يرتبط بنوعية القمح والفريك؟ هل يرتبط بمعايير أخرى لا يعرفها إلا أبناء الكار؟ أم أنّ شيئاً غير ذلك يقف وراء هذا الأمر؟ يدعونا نزيه قبرصلي إلى داخل متجره، بعدما تجهّم وجهه، الذي أومأ بالإيجاب، حين سئل عن صحة الهوة بين أسعار الفريك بشقيه البلدي والمستورد. يشير إلى شوال الفريك ويقول «صارلو عندي فترة، شوف منلا لون، أخضر متل ورق الشجر»، ويوضح قبرصلي أن اخضرار الفريك يدلّ على جودته. ما هو سعر الكيلو؟ 4000 ليرة، يجيب قبرصلي. فهو «فريك سوري من سهل حلب، وهو أجود أنواع الفريك المستورد» كما يصفه، ليتضح أن فارق السعر لا دخل له بالنوعية.
أما بالنسبة لمزارعي القرى، فارتفاع أسعار «فريكهم»، يرتبط بارتفاع أسعار السلع الأخرى، وكلفة إنتاجها وتوصيلها، كما بقلة الدعم الرسمي الذي لا يساعدهم على تصريف إنتاجهم. يبدو أن الفريك البلدي لم يعد من حصة الفقراء والفلاحين، أسوةً بمأكولاتٍ شعبيةٍ أخرى ، بعدما كان يمثّل أكل الفقراء والأغنياء معاً. فقد أصبح الفريك البلدي الآن من حصّة أطباق الأغنياء فقط، وعلى الفلاحين اللجوء إلى ما هو مستورد، تماماً كما حدث بسلع أخرى خرجت عنوةً من قوائم طعامهم، فهم لا يستطيعون تغطية كلفة شراء بعض المنتوجات الغذائية من أرضهم، رغم أنّ كثيراً من حبوب الفريك الصغيرة، والبلدية، ما زالت عالقة بين أصابعهم.