علاقة حبّ، أو تحدّ لاكتشاف بيئة جديدة، أو هروبٌ نحو إطارات اجتماعية أخرى، أو طمعٌ في جنسية أجنبية.. كلها أسباب ممكنة لزواجٍ يجمعنا بطرفٍ أجنبي، زواج تختلف الأحكام عليه في مجتمع كان حتى مدة ليست بعيدة، يفضل الزواج بين الأقارب أو الجيران... لكنه اضطر إلى القبول بـ«الزواج من أجنبية»
باريس ــ خضر سلامة
بعد مرور أحد عشر عاماً على زواجه من امرأة فرنسية، لا يزال «جورج س.» مقتنعاً بصوابية رأيه حين رفض الانصياع لنصائح أهله، فهم عارضوا اقتران ابنهم بأجنبية. يعترف جورج بصعوبة الموازنة بين العلاقتين: العلاقة بالأسرة في لبنان، والعائلة الصغيرة التي كانت قيد الإنشاء في فرنسا، ولكن كل ذلك لا يعوق إحساسه بالرضى والسعادة عن خياره الذي أدخله تجربة جديدة، وعمق المشاعر العاطفية المستقرة، والحالة الاجتماعية الثابتة التي يعيشها في الغربة أيضاً، ويقول: «بادئ الأمر، لم تتقبل والدتي زوجتي، وزوجتي بدورها لم تتقبل والدتي، فلا قواسم مشتركة بينهما، والاختلافات كثيرة في ما يخص التقاليد ومصروف المنزل والسلوك الاجتماعي، وغير ذلك»، إلا أن الوقت كان كفيلاً بالحد من تطرف هذه الفواصل بين الحماة وكنّتها الفرنسية، وسمحت المسافة الفاصلة بين الوطن والغربة، ومحدودية العلاقة بين الكنّة الغربية والعائلة الشرقية، بسبب قلة الزيارات إلى الوطن، بالفصل بين المعادلتين، ويتابع جورج متحدثاً عن «سبع سنواتٍ من زواج ناجح في ما يخص العلاقة الشخصية بيني وبين زوجتي، إضافة إلى تطورات إيجابية ولو طفيفة في نظرة الأهل إلى الزواج من أجنبية». تثور ميراي، زوجته، عند الحديث عن حياتها الزوجية، تعلق بحماسة «علاقتي بزوجي ناجحة على المستوى الشخصي، أما على المستوى الأوسع، فلا أزال غير قادرة على تقبّل محيطه الأسري في لبنان، وغير قادرة على مراعاة متطلبات المعايير العائلية والاجتماعية والدينية في كل زيارة نقوم بها إلى بلده، والتي يكون ثمنها مشاكل كثيرة تقع بيننا أو مع أهله الذين يتهمونني بعدم تفهم شروطهم أو حدودهم».
هذه الحالة لا تشبه كثيراً وضع يوسف (26 عاماً)، الطالب الجامعي الذي قدم إلى فرنسا قبل خمس سنوات، وتعرف هناك إلى إيزابيل، ووقعا في شباك الحب، وبعد زواجهما «تعلمت العربية المحكية أكثر مما تعلم هو الفرنسية» تقول إيزابيل مبتسمة. إنها تقيم مع زوجها في فرنسا، بعد تعاونهما معاً لإنشاء مطعم، «نجحت في إقامة علاقات متينة مع أهله، ولم أمانع حين عبّر يوسف عن حلمه بالاستقرار مستقبلاً في لبنان، أعجبتني التجربة وأعجبني الجو وأصبحت قادرة على الاختلاط بسهولة في مجتمعي الثاني»، إنه مجتمع سهل الفهم بالنسبة إلى إيزابيل، ولا يتطلب إلا حسن الاستماع والتكلم، وقليلاً من المعلومات التاريخية أو الدينية عن أبنائه، وتفاهم شديد الثقة بين الزوجين من أجل علاقة ثابتة، يوسف بدوره يبدو معجباً بما تحقق إلى الآن بين أهله وزوجته، حيث إن شخصية الأخيرة كانت سهلة الاندماج في جوّ «بيت حماها»، وفي جوّ «بيروت» ككل، على حد تعبير الزوج الشاب.
ماذا عن الأطفال؟ جورج يرتبك أمام هذا السؤال، أطفاله «فرنسيون بامتياز»، لا يعرفون من اللغة العربية شيئاً، ويبدو تأثير ثقافة الأم جليّاً عليهم «الأكل، والبرامج التلفزيونية، وضعف سلطة الوالدين، والعلاقة الضعيفة بالدين...»، جورج لا يستطيع إعطاء رد حازم، وذلك بسبب الخلل الذي يشعر به في قيمة الأب، هل قناعات أطفاله مرتبطة بما «تمليه» الموروثات التربوية التقليدية للأم، أم هي ناتجة من مكان العيش ليس إلا؟ أو بسبب تغيّبه المزمن عن المنزل بحكم طبيعة عمله.



يوسف وإيزابيل من جهتهما، لم يخطّطا بعد لإنجاب أطفال، «قررنا متابعة دورات خاصة في التربية العائلية تقيمها جمعيات فرنسية، تعلم كيفية موازنة ثقافتين في الوعي الأسري للأطفال، كما أننا شخصياً وضعنا العناوين العريضة لأساسيات التربية: كالدين واللغة والعلاقات العائلية» يقول يوسف.
ويذكر هنا، أنه غالباً ما تُنشر بعض القصص والأخبار عن لجوء أجنبيات في لبنان إلى سفاراتهنّ مع أولادهن، أو إلى الهروب بطريقة غير شرعية من لبنان بعيداً عن أزواجهنّ، هذه الظاهرة تفسّر بعدم قدرة الزوجات على احتمال حوادث «التصادم الاجتماعي والثقافي»، أو كردّ فعل على إحساس بفشل تجربة الزواج.
عالِم الاجتماع لورنس شارتون، عبّر عن حذره الشديد في موضوع ظاهرة الزواج المختلط «بين الحضارات أو المناطق والثقافات»، وتحدث عن خطوات ضرورية قبل الزواج على الشريكين اتّباعها، كمصارحة الذات والآخر بالدوافع التي تحكم إرادة الارتباط بالحبيب، و«محاولة الدخول في تمهيد للزواج قبل الارتباط الرسمي والقانوني والأسري، كالخطوبة أو المساكنة لفهم عقلية الآخر الحقيقية» شارتون يتابع قائلاً «برأيي أن الزواج من أجنبي أو أجنبية تجربة مثيرة للكثيرين، ولكن نتائجها أيضاً قد تنعكس سلباً سواء على تكوين العائلة الصغيرة، أو على المجتمع الأوسع»، ملمّحاً إلى مشاكل التربية ومشاكل عدم التفاهم بين عائلتي الزوجة والزوج، وبعض «التفاصيل الصغيرة المهمة كثيراً» كالروابط اللغوية والعلاقة المكانية مع الجذور العائلية.


سارة ممرضة لبنانية قدمت إلى فرنسا لإكمال دراستها، وارتبطت بأنطوان الألزاسي، فعارضها أهلها متحججين باختلاف التقاليد والدين وبالخوف من «الصيت العاطل» عن أنثى تزوجت من غريب.. بعد تسع سنوات، أنطوان وسارة ما زالا يعيشان علاقة حب مستمرة، سارة راضية عن خيارها رغم مقاطعة أهلها لها