بيار أبي صعبالملصقات الهائلة التي طالعت اللبنانيّين خلال الأسبوعين الأخيرين، معلنة عن الاحتفالات بذكرى تأسيس حزب الكتائب وإحياء ذكرى اغتيال بيار الجميّل، كانت تحمل إلى جانب صورة الوزير الشهيد ذلك الشعار: «بتحبّ لبنان؟ ما تحبّ غيرو!» (طبعاً الإملاء هنا بالفينيقي، والصحيح في عاميّة مرتبطة بمرجعها الأم، أي الفصحى: «ما تحبّ غيره»). العبارة تحيل إلى شعار سابق، كان قد رفعه المرحوم بيار الجميّل أيّام وجوده في وزارة الصناعة تحت راية الدفاع عن الإنتاج المحلّي: «بتحبّه؟ حبّ صناعته». حينذاك عقّب منتقدو (هنا الواو في موقعها الصحيح) الشيخ بيار بأن دعم الصناعة الوطنيّة يتطلّب أكثر من شعار... والآن يتبادر إلى الذهن ردّ الفعل نفسه، بعد تلقّي تلك الشحنة الديماغوجيّة: الأرجح أن «حبّ لبنان» يحتاج إلى أكثر من هذا الوفاء اللفظي الذي يدعونا إليه حزب الكتائب.
الشعار في الحقيقة لا يدعونا إلى شيء. نخاله يطالب المواطن بألا يشرك في حبّ لبنان «حدا غيرو» (وهو مطلب ظالم في النهاية. إذ بإمكان المرء أن يكون وطنياً ويحب السويد مثلاً أو نيوزيلاندا، ما المانع؟)، في حين أنّه عمليّاً يقسّم الشعب اللبناني إلى أوفياء ووطنيين من جهة، وخونة و«مشركين» من الجهة الأخرى... إنّ مطلقيه يزايدون على الجميع في الوطنيّة، متهمين كل من ليس على نهجهم بالعمالة والخيانة، وكلّهم ثقة بأن هذا النوع من التهم لا يمكن أن ينقلب عليهم! وهذه النظرة إلى الأمور أقل ما يقال فيها إنّها لا تخدم الوحدة الوطنيّة، ولا تسهّل الحوار، ولا تغني النقاش السياسي.
على العموم هناك سوء تفاهم تاريخي جعل أعضاء «حزب الكتائب» منذ القدم يتماهون مع لبنان، معتبرين أنّهم وحدهم حرّاس هذا الكيان الذي يشبههم، والمؤتمنون دون سواهم على مصيره. لكنّنا بعد الاستماع إلى خطاب أمين الجميّل يوم المهرجان، وقعنا في شيء من الحيرة. رئيس الحزب الوحيد الذي لا يشرك في حبّ لبنان أحداً، يلوّح بالفدراليّة، أي إنّه مستعد للاكتفاء بجزء (صغير) من الوطن يبسط عليه سلطته وسيادته. يا شيخ أمين، بتحبّ لبنان؟ حبّو كلّو!