من الدفاع عن الأمازيغية إلى الاعتصامات النسوية ضد قانون الأسرة، ظلت المناضلة النقابية الاشتراكية أحد الوجوه البارزة في الحركات المطلبيّة لبلادها. رئيسة لجنة المرأة العاملة في الاتحاد العام للعمال الجزائريين، أدّت دوراً أساسيّاً في تمرير قانون يعاقب التحرّش الجنسي في مواقع العمل...
دينا حشمت
كي تبلغ مكتبها في مقر الاتحاد العام للعمّال الجزائريين، عليكَ أن تجتاز بهواً مهيباً وتصعد سلالم تؤدي إلى دهليز طويل من دهاليز «بيت الشعب»، وسط صمت مُطبق يضاعف رهبة المكان. أخيراً تستقبلك سمية صالحي بحفاوة وحرارة تخفّفان من وقع برودة المبنى وصرامته على قلبك، وإن كانتا لا تنسيانك أعمدته الرخامية وأبوابه المبطّنة.
هذه المرأة المعروفة بانتمائها إلى منظمة تروتسكية هي من أكثر الحركات راديكالية ضدّ الحكومة، قد يبدو غريباً أنّها لا تزال صامدةً في منصبها كرئيسة لـ«لجنة المرأة العاملة» وكعضوة في «اللجنة التنفيذية الوطنية» لاتّحاد تتلّخص مهمة قيادته في «ضبط» الحركات العماليّة لمصلحة النظام. قد يبدو ذلك غريباً، وخصوصاً أنّ قيادة هذا الاتّحاد الذي أسّسته عام 1956 جبهة التحرير الوطني «لتدعيم صفوف الثورة بجمع شمل الطبقة العاملة»، قد أعلنت تأييدها لتعديل دستوري يسمح لعبد العزيز بو تفليقة بالترشّح لولاية رئاسية ثالثة.
«الكلّ يعرف بأنّني لا أساند الولاية الثالثة ولا الثانية ولا الأولى» تقول سمية صالحي، وتقر بأنّ «أغلبية قيادة الاتحاد تابعة لأحزاب ائتلاف الرئاسة»... لكن هذا لا يعني بالنسبة إليها أنّ «الاتحاد برمته تابع للنظام». بل تذهب أكثر من ذلك، إذ تؤكّد تمسّكها «بقرارات المؤتمر العاشر التي تنصّ على الدفاع عن القطاع العام»... وتذكّرنا بالإضرابات العامة الناجحة التي نظّمها الاتحاد في 2000 و2003.
لا تكمن صعوبة المهمة بالنسبة إلى سميّة في التعامل مع قيادة نقابية شديدة «الاعتدال»، بل في مواجهة «آلام البشرية» التي تفجّرت بعد إنشاء «مركز للإصغاء» إلى ضحايا التحرّش الجنسي. إلى جانب المعركة القانونية التي نجحت عام 2004 في فرض «مادة في قانون العقوبات تجرّم التحرش الجنسي»، أسّست «لجنة المرأة العاملة» مركزاً من الأطباء النفسيين للاستماع إلى النساء اللواتي تعرّضن للتحرّش. كثيراً ما تطلب النساء محادثة «مدام صالحي» شخصيّاً لأنّهن سمعنها على الراديو. «صعب جداً الاستماع إلى قصصهن. الكثير منهن تركن عملهن بسبب التحرش. نشعر بالعجز أمامهن». يختنق صوتها، فقد وجدت نفسها فجأة، هي المناضلة النسوية الاشتراكية، أمام نساء يطالبن بمساعدة ملموسة. «مدام صالحي» تصغي، وتعطي رقم هاتفها المنزلي، وتحاول إعانتهن قدر الإمكان.
أصبحت تقوم بدور أمها نفسه في حي «الحراش» الشعبي. النساء المعنّفات كنّ يلجأنَ إليها لتضمّد جراحهنّ. «كانت والدتي معروفة بحنانها، وباستعدادها للإصغاء». ترعرعت سمية في عائلة صغيرة لم يمزّقها العنف الأسري. أبوها كان عاملاً في مؤسسة تابعة للميناء، وكان نقابياً نشيطاً وإن لم ينتمِ يوماً إلى منظمة سياسية. وبسبب دعوة جبهة التحرير إلى مقاطعة «المدرسة الفرنسية» أثناء الثورة، دخلت سمية التعليم النظامي متأخرةً بضع سنوات، لكنّها تعلمت في مدارس «جمعية العلماء المسلمين» القرآن والنحو والصرف. في البيت، يتحادث الأب والأم بالأمازيغية، لكنهما يخاطبانها هي وأخاها بالعربية. لم تتعلّم سمية الأمازيغية إلا متأخراً، في سن العاشرة، عندما جاءت جدتها من ولاية بجاية القبائلية لتستقرّ معهم في المنزل. وفي الجامعة، اغتنت أمازيغيتها بفضل الاحتكاك بمناضلي الحركة الثقافية الأمازيغية.
عندما التحقت بقسم علم النفس في جامعة الجزائر عام 1973، كان النقاش حول مشروع قانون الأسرة مشتعلاً: «دخلتُ في مجموعات نسائية تناضل ضد المشروع، ثم تكوّنت مجموعة تكافح ضد اضطهاد النساء... حتى الأساتذة كانوا يتحرّشون بالطالبات». نظّمت المجموعة أنشطة توعية عن مشاكل المرأة والتحرش الجنسي، وأنشأت نادياً للسينما عرضَ «الحرام» لهنري بركات مع فاتن حمامة. «في هذا الوقت لم يكن هناك من منظمات علنية سوى تلك التابعة للحزب الواحد الحاكم وكانت مجموعتنا النسوية الماركسية سرّيةً». لم يكن لسمية انتماء سياسي بعد، لكنّ المجموعة التي امتدت فروعها من عنّابة شرقاً إلى وهران غرباً، كانت تابعة للمجموعة الشيوعيّة الثورية. والتحقت هي الأخرى بهذا التنظيم. بعد تخرجها من الجامعة. بداية الثمانينيات، أسّست «لجنة النساء» فانضم إليها العديد من تيارات اليسار الراديكالي، من الماويين إلى التروتسكيين، ومن مناضلي الحزب الشيوعي. وكان بين أنشطتها الاعتصام أمام البرلمان ضد «مشروع قانون الأسرة».
اليوم، ما زالت سمية تطالب بإلغاء القانون نفسه. ورغم الاحتجاجات التي أثارها، جرى إمراره عام 1984، ولم يعدّل إلا في 2004، ببعض البنود، بينها واحد يمنح المرأة حرية اختيار وليها الشرعي عند الزواج. ما زالت سمية عضوة في قيادة حزب العمّال الاشتراكي ــــ سليل المجموعة الشيوعية الثورية ــــ مع زوجها شوقي صالحي المتحدّث الرسمي باسم هذا التنظيم. لم تكسر السنوات التي أدمت الجزائر في التسعينيات رغبتها في خوض معارك جديدة. عاشت هذه المرحلة صامدة كمناضلة نقابية في عملها داخل شركة للصناعات الكيميائية، وظلت تجاهد لتفرض قضايا المرأة على أجندة الأجهزة النقابية.
تندهش من ردود الفعل الإيجابية على الحملة ضد التحرش في الصحافة: «كنا نتوقع ردود فعل سلبية من الإسلامويين والمحافظين، بسبب التديّن ورفض عمل النساء». تُحدّثنا عن المرحلة التالية للحملة: «منذ 21 أكتوبر 2008، بدأنا حملة تطالب بحماية الشهود في قضايا التحرش، مثلما هي الحال في قضايا السرقة مثلاً. هذا مهمّ... فالشهود هم الوحيدون الذين يحمون ضحايا التحرش». تطرق باب «مدام صالحي» عاملتان تريدان استشارتها بشأن كيفيّة مواجهة ربّ العمل، فتستأذن وتستعجل إنهاء الحديث. «التأثير السلبي للخيار الليبرالي على واقع المرأة» ليس شعاراً بالنسبة إليها، بل واقع تشتبك معه فعلياً، في معارك يوميّة صغيرة، تحرص على كسبها.


5 تواريخ

1953
الولادة في الحراش، أحد الأحياء الشعبيّة في ضاحية الجزائر العاصمة

1989
انتخبت في مجلس النقابة القاعدية في الشركة التي تعمل فيها

2000
المرأة الوحيدة في «اللجنة التنفيذية الوطنية للاتحاد العام للعمال الجزائريين»

2002
رئيسة «لجنة المرأة العاملة» في الاتحاد. وفي 2004، توّجت حملتُها ضد التحرش الجنسي في مواقع العمل بتجريمه في قانون العقوبات

21 ت١/ أكتوبر 2008
إطلاق حملة تطالب بحماية الشهود في قضايا التحرش