أحمد حجازي*إن الشعوب والدول العربية، وإن كانت تتفهم معاناة الشعب اليهودي وتعبر عن رغبتها بالمساعدة الإنسانية له، عبر البحث عن حل ملائم، إنما ترغب بالوصول إلى حل لا يضحي أو يفرط بالحقوق والمصالح العائدة لها، ويتخطى معاناتها وألمها نتيجة للصراع.
بديلاً عما طرح قبلاً، أو تعديلاً عليه، لا يمكن لأي مبادرة عربية، أو مجموعة شروط عربية للحل أن تقل عن:
1ـــ عودة الأرض المحتلة: تعود الأراضي المحتلة عام 1967 إلى سيادة دولها الأصلية عودة كاملة، وهذا غير خاضع للبحث أو المساومة، وليس مرتبطاً بأي تنازل عربي مقابل. يبحث وضع القدس بطريقة منفصلة بعد الاتفاق العربي عليه.
2ـــ حق العودة الكامل وغير المجتزأ: يحق لكل مبعد عن أرضه (داخل الأرض المحتلةوخارجها) أن يعود إليها، وهذا لا تفريط فيه. الأرض ليست محصورة بالأراضي المحتلة عام 1967، ويكون لملاك الأرض الأصليين حق استرجاع أراضيهم كاملة. آليات التنفيذ يمكن أن تخضع للبحث والمفاوضات ما دامت لا تفرط بحق أي فلسطيني إلا إذا قرر راضياً مبادلة حقه هذا. الحل يمكن أن يكون ضمن دولة واحدة أو دولتين. والدولة الفلسطينية ليست أرض عام 1967، والموازين الديموغرافية ليست همّاً ذا قيمة للشعوب العربية.
3ـــ المحاكمات: يجب أن تجرى محاكمات شاملة لكل الذين يثبت تورطهم (تحريضاً وتخطيطاً وتنفيذاً) بجرائم التطهير العرقي (وفق تعريف الأمم المتحدة يعتبر حتى التهجير بالقوة تطهيراً عرقياً)، جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وغيرها (كأشخاص) وتشمل كل الارتكابات التي قامت بها الحركة الصهيونية في المنطقة. ينفذ هذا البند بالتعاون مع منظمات حقوق الإنسان وباقي المنظمات الدولية ذات الصلة.
4ـــ ملف التعويضات: يجب على دولة «إسرائيل» أن تقدم تعويضات عن كل الأضرار البشرية (شهداء وجرحى ومشردين)، الاقتصادية (تشمل الأضرار المباشرة وغير المباشرة)، الاجتماعية والعلمية التي تسبب تأسيسها بها (منذ 1915) لكل دول المنطقة وشعوبها. إذا لم تقدر دولة إسرائيل دفع هذه التعويضات، فعلى الدول الراعية لها التكفل بذلك والتعويض عن الأضرار التي تسبب دعمها لإسرائيل بها.
5ـــ أسلحة الدمار الشامل: على إسرائيل أن تتخلى عن أسلحة الدمار الشامل، ويجب أن تكون المنطقة خالية من هذه الأسلحة. الحل الآخر هو ألا توضع أي ضوابط على هذا الموضوع.
6ـــ الاعتراف: إن الاعتراف العربي بإسرائيل، لا التطبيع الكامل معها، هو ما ستقدمه الشعوب العربية لدى تسليم إسرائيل بالحقوق المشروعة الآنفة الذكر وتنفيذها. ليست الشعوب العربية مجبرة بأي حال على أن تقدم لإسرائيل معاملة خاصة أو تفضيلية تتعارض مع مصالحها.
إن الاعتراف العربي بإسرائيل (كما يقول محقاً د. أسعد أبو خليل) يمثّل في أحد أبعاده تقبّلاً للجرائم الإسرائيلية المتكررة وشرعنة لها. من هنا كان واجباً أن تقوم إسرائيل وقبل أي اعتراف عربي بإدانة ذاتية وبالاعتراف والاعتذار فالتكفير عن هذه الجرائم. غني عن القول أن السلام في ظل وجود الإيديولوجية الصهيونية (من حيث هي إيديولوجية عنصرية قائمة على الكره وتبرير القتل واغتصاب الحقوق) مستحيل حكماً.
أثبتت مبادرة عام 2002 من جديد ما كنا نعلمه عن آليات التفاوض والاستفادة من المقدرات الموجودة لدى أمتنا. يمثّل أي تفريط بحقوق الشعوب وعدم الاستفادة من قدراتها خطراً محدقاً يتهدد مستقبلها، ويعود لكل القوى الفاعلة اجتماعياً وسياسياً وحقوقياً واقتصادياً في عالمنا العربي المنكوب تدارك هذا الخطر وإعادة رسم المستقبل بما فيه مصلحة القادم من الأجيال العربية.
* كاتب عربي