قيس صفديقبل شهور قليلة لم تكن كلمة «متحف» مألوفة بالنسبة إلى سكان قطاع غزة، وأغلبهم من اللاجئين الفلسطينيين، حتى افتتح رجل الأعمال جودت الخضري مطعم «المتحف»، وألحق به ركناً يحوى عشرات القطع الأثرية النادرة. ويقع «المتحف» في الجهة الشمالية من مخيم الشاطئ، الذي اكتسب اسمه من موقعه المقابل لشاطئ البحر غرب مدينة غزة. ويقوم بناء المتحف على حجارة من بيوت قديمة، وألواح خشبية من سكة حديد لم يعد لها أثر، وأعمدة رخامية اكتشفها صيادون وعمال وابتاعها الخضري المولع بالآثار منذ سنوات طويلة.
ويضم «المتحف» عشرات القطع الأثرية، بينها أوان فخارية ورؤوس رماح وسهام ومراسٍ رومانية ومزهريّات من العصر البرونزي وأعمدة بيزنطية، وأدوات تعود للعصرين المملوكي والإسلامي، جمعها الخضري على مدار عقدين من الزمن خلال عمله في قطاع البناء والإنشاءات في غزة، فكان يأخذ القطع المكتشفة على العقارات التي يبني فوقها. فأسّس متحفه الخاص وكان يحلم بتحويله إلى متحف وطني للآثار، لكن ظروف غزة عقب فوز حركة «حماس» في الانتخابات التشريعية الثانية مطلع عام 2006 حالت دون أن يرى حلمه النور. ولكنه أبقى أبواب متحفه مشرّعة أمام الزوّار، وغيّر أسلوب العرض ليتماشى مع متطلبات حكومة حماس، فرُفعت التماثيل المنحوتة على شكل أشخاص، وخاصة الإناث منهن، وأُبقيت في القاعات القطع الأثرية الفخارية والبرونزية والرخامية. وكان «المتحف» يستقبل كل يوم مئات التلاميذ، ليتعرّفوا إلى تاريخ غزة المجهول بالنسبة إليهم.
لم تستهدف قوات الاحتلال «المتحف» مباشرة، لكن صاروخاً أطلقته طائرة حربية مقاتلة على بعد أمتار سبَّب دويّه تحطيم قطع أثرية عدة، وتكسير الواجهات الزجاجية في المكان. ويقول مسؤول ركن المتحف مختص الآثار فضل العطل إن «القصف الإسرائيلي سبّب تحطيم ثلاث جرار فخارية من العصر البيزنطي (القرن الثالث الميلادي)، وطاولة تعود للعصر المملوكي نادرة ولوحتين مخصصتين للعرض، واحدة تعود إلى العصر الحديدي (1200 عام قبل الميلاد)، والثانية إلى الحقبة الهيلانية (300 عام قبل الميلاد) إضافةً إلى قارورتين من العهد نفسه. وكان لافتتاح «متحف» الخضري وقع هائل على سكان غزة وانقسم أهل الاختصاص بين مؤيّد للمشروع ومعارض له. يقول المؤرّخ الفلسطيني سليم المبيض إنه «لا يؤمن بالامتلاك الشخصي للموروث الحضاري والقطع الأثرية، لكنه يرى في الوقت نفسه أن امتلاك أشخاص في غزة لقطع أثرية سببه «الإهمال» الرسمي. ويرى أن هذا الاهتمام الفردي أسهم إلى حدّ ما في حماية هذه القطع الأثرية من الاندثار والضياع». كما أن مجموعة الخضري الخاصة سمحت للمتاحف العالمية (مثل متحف جنيف) بإقامة معارض دولية عن تاريخ غزة، وطبع الكتب العلمية ولفت النظر المجتمع الدولي إلى وجه المدينة التاريخي المجهول.