فادية حطيط أمشي على شط الإسكندرية وأتأمل. معقول! شاديا بفستانها الصيفي المفتوح عند الصدر والضيّق كثيراً عند الخصر والهابط كمظلة على الوركين، وحذائها ذي الكعب العالي تلتقي بحسن يوسف الذي يبتسم لها برقة؟ ها أنا أراهما يقتربان وتقترب شفتاهما بعضهما من بعض، فأحدق أكثر وقد عدت صبية في مقتبل العمر، لأعرف كيف يغرق الحبيبان في بحر الغرام. وعلى مسافة قريبة أرى مريم فخر الدين، السيدة الأنيقة المتعالية، تتكلم مع أحمد مظهر ابن الطبقة الراقية، بانتظار الوقت الذي سيمتطي فيه صهوة الفرس الأصيلة. وفي البعيد ينظر إليهما عماد حمدي مغتماً، عفواً، لم يكن عماد حمدي يغتمّ بل كان يراقب ويخطط ويتصرف. وكمال الشناوي الوسيم ينتظر دوره ليدخل إلى الفيلم، لا يهمه من ينتظره هناك، هند رستم أو فاتن حمامة. لا يهم. فكمال الشناوي سيكون هو نفسه، ويلعب الدور نفسه، وعلى المخرج تحريك أدوار الآخرين، إنه الجوكر. وكل هذه المشاهد تصبح أكثر واقعية حين تشارك ناديا لطفي بتسريحة شعرها المرتفعة على قبة رأسها وغرّتها التي كأنها رتّبت شعرة شعرة على جبينها. ثم يأتي البطل أحمد رمزي وكل شيء يأخد مكانه. من دون أحمد رمزي لن يكون هناك بحر في الإسكندرية ولا بنات يلبسن المايوهات، إنه الشاب المدلل الذي يحمن حوله. وبالطبع لن تكون هناك نكهة لأي فيلم بدون محمود المليجي، الآمر الناهي. ولن تصل الأفلام إلى ذروة جمالها لولا لبنى عبد العزيز ذات العينين الملوّنتين، وماجدة ذات الصوت المبحوح. أما سعاد حسني وأحمد زكي وحسين فهمي ومحمود ياسين ونور الشريف ومحمود عبد العزيز، فهؤلاء لم يكن قد حان وقتهم بعد، كان علينا أن نكبر أكثر قبل أن يبدأوا لعب أدوارهم في حياتنا.
الفيلم يبدأ، الممثلون يتحركون ويتكلمون، والناس تجلس أمام التلفزيون تهدر الوقت بسخاء وتأخذ بمحاسبة هذا الممثل والثناء على ذاك، ويعجبها هذا المشهد أو ذاك. والصبايا يتعلّمن خلسة أدبيات الغرام. لولا هذه الأفلام لكان الغرام فعلاً عشوائياً وفجاً، لا نظرة رقيقة ولا إمساكاً لليد ولا تمنّعاً ولا من يحزنون. وبدون التعلم من هند رستم أستاذة فنون الجذب ستكون الصبايا قوالب مصبوبة لا تعرف التمايل.
الغريب أنك ترى كل ذلك وأنت تتخيل الشخصيات التي عايشتها في ماضيك، ولكن إن نظرت حولك وأنت تمشي في شوارع الإسكندرية فلن تجد سوى نساء محجبات لا يشبهن في شيء الممثلات على الشاشة. قمت باحتساب عشوائي لعدد السافرات المارات بقربي فبدا لي أنهن لا يتجاوزن الواحدة من كل عشر نساء. فماذا حدث؟ هل تخلّت الصبايا عن ممثلاتهنّ؟ أو بالعكس تخلّت الممثلات عن جمهورهنّ؟ أم أن الشاشة ما بين الجمهور والممثلين صارت أكثر كثافة وأقل تأثيراً؟ كيف تتعامل الصبايا المحجّبات مع الممثلات السافرات والمتحررات؟ فهل إذا رفعنا الحجاب سنرى أطياف إلهام شاهين أو يسرا أو منة شلبي أو غيرهنّ من ممثلات اليوم؟ لا أعتقد. إن جيلنا كان أكثر سذاجة، لذا ترك للممثلين أن يقوموا بأدواره. أما اليوم فلقد تبدّلت الأمور.