إيلي شلهوبتستعدّ إسرائيل للاحتفال بعودة نتنياهو، الذي يتصدّر استطلاعات الرأي منذ أشهر. محاولات ليفني وباراك كلها لم تفلح في إزاحته من قلب الجمهور وعقله. حتى الدماء التي سالت أخيراً في غزة ثبت أنها كانت بلا جدوى انتخابية. عجز جميع المتنافسين عن إثبات جدارتهم وتفوّقهم على بيبي. بقي وحده الرمز القيادي القادر على تأمين أمن إسرائيل ومصالحها. أو على الأقل، بقي الأكثر تعبيراً عما يختلج في أعماق المجتمع الإسرائيلي. المرآة التي تعكس آماله وطموحاته. تجسيد لاتجاهاته التي تزداد يمينية (اسألوا ليبرمان). صورة مصغّرة لرؤاه في شأن مستقبل الدولة العبرية والمنطقة.
عقد مرّ مذ شغل بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة، تغيّرت خلالها ملامح المنطقة. رحل ياسر عرفات، ومعه القيادة التاريخية وسراب أوسلو. فُكّ الارتباط مع غزة، حيث قامت «حماسستان»، وفي مقابلها جمهورية رام الله بقيادة أبو مازن. هُزمت إسرائيل في لبنان مرتين. تغيّرت القيادة في سوريا ومعها موقعها في المعادلة الإقليمية. حال مشابهة أصابت تركيا، تجلّت في أبهى حللها خلال العدوان الأخير على القطاع. سقط الطالبان في أفغانستان وصدّام في العراق. تحوّلت إيران إلى إمبراطورية إقليمية، ومصر والسعودية إلى لاعبي احتياط. بات هناك معسكر للممانعة وآخر للمعتدلين...
كل هذا حصل وبقيت واشنطن على حالها، على الأقل بعيون بيبي، الذي غادر مع بيل كلينتون وعاد مع هيلاري في الخارجية وأوباما في البيت الأبيض. إدارتان ديموقراطيتان تحملان التوجهات نفسها في أكثر من ملف، في مقدمها عملية السلام التي أدخلها جورج بوش في حال من الموت السريري، على الأقل خلال سبع من سنوات حكمه الثماني. سرعة تعاطي أوباما مع هذا الملفّ، عبر تعيين جورج ميتشل وإيفاده خلال الأيام الأولى من عهده إلى المنطقة، لا شك في أنها تذكّر بسنوات كلينتون، الذي يبدو أن الرئيس الجديد سيبدأ من حيث انتهى (تقرير ميتشل).
كذلك حال نتنياهو، الذي لا يزال يحافظ على النهج نفسه، مع تعديلات في الإخراج: يؤيّد «التعامل» مع الملفّ الفلسطيني تأييداً «مكثّفاً ومركّزاً» بهدف إبرام سلام اقتصادي يستبق المفاوضات السياسية. تعهّدات أولمرت بشأن الضفة الغربية لا تُلزمه، على قاعدة «لا تنازل عن أيّ من أراضي 67» وأن «على الفلسطينيّين أن يأخذوا ما تتخلّى عنه إسرائيل طوعاً». يروّج أنه لن يبني مستوطنات جديدة، لكنه يؤكّد أنه مع توسيع تلك القائمة حالياً. يرفض المبادرة العربية جملة وتفصيلاً ويرى أنها «غير قابلة للتطبيق». حماس وحزب الله بالنسبة إليه شرّ مطلق يجب «القضاء عليه». يؤيّد سلاماً مع سوريا، لكنه يرفض إعادة هضبة الجولان التي يعتبرها «رصيداً استراتيجياً». سبق أن أعلن مراراً وتكراراً أن «أولى مهماته» في رئاسة الحكومة هي «إحباط التهديد النووي» لإيران التي وصفها بأنها «أخطر عدوّ» تواجهه إسرائيل.
الفارق الوحيد أن حال عدم الانسجام الشخصي التي ميّزت علاقة نتنياهو بكلينتون، وحمّلها بعضهم مسؤولية الخلافات بين الرجلين، ليست موجودة بينه وبين أوباما.
لا شك في أن بيبي يدرك حجم الأزمات التي تعانيها الولايات المتحدة في المنطقة والعالم. كذلك يعلم أن أوباما سيعمل ما في وسعه للتخلص من مخلّفات بوش، وأنه مضطرّ إلى تقديم شيء ما إلى العالم العربي. يتوقع ضغوطاً أميركية، لكنه مطمئن إلى أن السيد الجديد للبيت الأبيض لا يزال في ولايته الأولى وعينه على ثانية. تأكيدات أوباما على أولوية إسرائيل لديه خير دليل.
يُرجّح أن يعمد نتنياهو إلى ملاعبة أوباما في الملف الفلسطيني، وخصوصاً أن الرجلين يبدوان متفقين على أهمية البعد الاقتصادي في هذه العملية. حال الانقسام الفتحاوي ـــــ الحمساوي لا بد أنها عامل مساعد. كذلك إمكان تسلّم ليفني لوزارة الخارجية. جولات تفاوضية في الأفق تحاكي مثيلاتها في التسعينيات.
وربما يخوض محادثات مع سوريا، بأيّ صيغة كانت، ستثبت الأيام أنها بلا جدوى. تصلّبه في ملفّ الجولان يحول دون أيّ أمل، حتى ولو عُقدت المفاوضات برعاية أميركية بعد توتّر علاقات تل أبيب بأنقرة.
وهو سيمهل أوباما ما يكفي من الوقت لفتح قنوات حوار مع طهران، يراهن على أنها لن تثمر اتفاقاً. أشهر من الانهماك في «لعبة صفرية»، يؤمن بيبي أنها ستُعيد الجميع إلى المربع الأول. أوباما سيجد بنتيجتها أنه مضطرّ إما إلى التعايش مع إيران نووية، مع ما يترتب على ذلك من ترتيبات إقليمية، أو إلى النّهل من إرث السنوات الأولى لجورج بوش.
من المؤكّد أن نتنياهو سيقف إلى جانبه في الخيار الثاني.