أحيت جمعية المستهلك في لبنان اليوم العالمي لحماية المستهلك على طريقتها، إذ رصدت خيارات الأطفال الغذائية على الأرض مباشرةً، لتظهر فداحة العادات والسلوكيات الغذائية التي يتّبعونها، تحت تأثير السلطة التسويقية
محمد محسن
تكفي الإشارة إلى الأرقام الواردة في الدراسة الأخيرة لمنظّمة الصحة العالمية، بشأن معدلات السمنة، للتنبّه إلى مشكلة غذائية ينبغي العمل سريعاً على معالجة مسبباتها. فحين تحتل المنطقة العربية المرتبة الأولى عالمياً في نسب السمنة، إذ تصل إلى 60% في لبنان، وتطال 82% من النساء و78% من الرجال في إحدى دول الخليج، بحسب الدراسة المذكورة، يصبح البحث عن المسبّبات الغذائية أمراً لا بدّ منه، للبدء بمكافحة هذه الظاهرة، واحتوائها في «مهدها»، أي منذ سن الطفولة.
تبقى سهولة تحديد سبب ارتفاع السمنة نقطة مضيئة من نقاط الدراسة، إذ إنها تتيح إيجاد الحلول، انطلاقاً من واقع علمي يؤكّد أن المأكولات السريعة أو الـ«Junk Food» الذي عممته ثقافة العولمة الغذائية على جميع بلدان العالم، هي السبب الرئيسي لارتفاع معدلات السمنة. إذاً، ينبغي منع انتشار هذه الأطعمة المليئة بالدهون والسكر والملح، عبر آليات متعدّدة، أهمها البروتوكول الذي ستطلقه قريباً منظّمة الصحة العالمية، والذي يفرض على الحكومات تنظيم سوق الإعلانات الخاص بالمأكولات السريعة، التي تمثّل السبب الأساسي في رواج شعبية هذه الأغذية عند الأطفال. بموجب هذا البروتوكول، ستُمنع الشركات المصنّعة من استخدام صور المشاهير أو الشخصيات الكرتونية، أو ما شابه من عناصر جذب يصعب على الطفل مقاومة جاذبيتها.
هذا ما تنبّهت له جمعية المستهلك في لبنان، في ظل توقّع بأن يحوي العالم 2.3 مليار سمين بحلول عام 2015، فلم تكتف بدعوة الحكومة اللبنانية إلى دعم صدور البروتوكول، بل واكبت النشاطات العالمية لجمعيات حماية المستهلك.
في «هيبر ماركت بوخليل» فرع الروشة، وعند العاشرة من صباح الأحد الماضي، دعت جمعية المستهلك وسائل الإعلام والمراقبين الغذائيين، للحضور ومراقبة الاختيارات الغذائية «الحرّة» لستّة أطفال من مختلف البيئات اللبنانية. حمل الأطفال سلالهم وجالوا بين أقسام المواد الغذائية بحرية تامة، لاختيار خمسة أصناف غذائية.
عادت الطفلة رنا من جولتها بكيس من «التشيبس»، وبرّرت اختيارها بأنها «معوّدة عليه بالمدرسة، ودعايتو حلوة». أمّا بالنسبة إلى ليا، فالجبنة المبسترة هي الألذ «ماما بتلفلّي سندويش كل يوم بس روح عالمدرسة».
توزّعت اختيارات الأطفال جميعاً على ألواح الشوكولاتة ورقاقات الذرة المحلاة والسكاكر الملوّنة، لم تخرج عن سياقها سوى سلّة الفراولة التي اختارها جاد، وكانت مفاجأة لجميع المراقبين.
لم تتجاوز مدّة الجولة الغذائية للأطفال ثلث الساعة، انتقلوا بعدها إلى المرحلة الثانية، حيث وقفت مديرة المراقبين الغذائيين في جمعية المستهلك، نانسي عواضة، لتقييم خياراتهم. ابتسمت، وشرعت في سؤال الأطفال تباعاً عن أسباب اختيارهم لهذه المنتحات، ليتبيّن في النهاية أنّ السبب الرئيسي وراء خياراتهم يكمن في الإعلانات التي يشاهدونها عن هذه المنتجات. خلال ذلك الوقت، كانت المهندسة الزراعية ناتالي بونا تعمل على إعلان نتائج التحليل المتعلّق باستهلاك الأطفال. بحسب ذلك التحليل، بلغت نسبة الاختيارات غير الصحية 60% فيما كانت نسبة الاختيارات المقبولة 27%، أمّا الاختيارات الصحية فقد بدت خجولةً إذ إنّها لم تتجاوز 13%.
بعدها، حان دور تصويب الخيارات بالمنطق التثقيفي التوعوي، فمنح كل طفل سلة جديدة فارغة، تمهيداً لتعبئتها بمنتوجات صحية، بعد التعليمات والإرشادات التي تلقوها عن ميزات الفواكه كالتفاح والموز، وعن إمكان استبدال العصير المعلّب باللبن المطعّم بالفواكه. هكذا، ابتسم الأطفال وأعلنوا ربما عن خجل وربما عن قناعة مستجدّة أنّهم «لن يعودوا إلى عاداتهم الغذائية القديمة، ومن الآن فصاعداً سنبتعد عن الـJunk Food».
رسميّاً، تحدّث رئيس جمعية المستهلك الدكتور زهير برو، فأكدّ أن منظمات المستهلك قي العالم تسلّط الأضواء حالياً على مشكلة انتشار هذه المأكولات، وتعمل على التصدي لها. وأشار برّو إلى أن جمعية المستهلك تستعد مع وزارة التربية لاتخاذ «خطوات جديدة ومهمة من أجل وضع سياسة وطنية تهدف إلى تغيير المسار الحالي الخطير للسلوك الغذائي لدى المواطنين كباراً وصغاراً». بدوره تحدّث رئيس قسم التعليم المهني والتقني في المركز التربوي للبحوث والإنماء أسامة غنيم، عن كرّاس صحي بعنوان «صحتي ثروتي» وُزّع على طلاب المدارس، لافتاً إلى أن كراساً آخر، بعنوان «ترشيد الاستهلاك»، سيوزّع قريباً، وهو «ما يتفق مع أهداف جمعية المستهلك».