بسام القنطاردلالات عديدة جعلت المؤتمر الختامي لمشروع «التعاون اللامركزي مع تجمّعات البلديات اللبنانية» توحي بأن «المسار التشاركي»، الذي يتبنّاه المشروع هو مسار حقيقي، لا أدبيات تنموية فقط تتحفنا بها الجهات المانحة من سفارات ووكالات وصناديق ومنظمات دولية.
الدلالة الأولى هي الحضور الواسع للبلديات وتجمعات البلديات، وإعلان أكثر من ممثل عنها خلال النقاشات، أن المشاريع التي نفذت ضمن نطاقها الجغرافي، خدمت مباشرةً السكان المحليين، إضافة إلى تعزيز قدرتهم كمنتخبين، في مجالات التخطيط وإدارة الإرث البيئي والعمراني وإبراز المعالم السياحية التي تميز هذه البلديات.
الدلالة الثانية تكمن في الحماسة التي أبداها ممثلون عن المدن والمناطق الأوروبية خلال تقويمهم للشراكة الناشئة مع عدد من التجمعات البلدية اللبنانية. كتقديم جان فلوري المكلف بمشاريع منطقة بروفانس ـــــ أب ـــــ كوت دازور الفرنسية، تصوراً تفصيلياً لعلاقة المنطقة التي يمثلها باتحاد بلديات جزين. وأن يشرح يوهان كوسمانو ممثل منطقة إيل دو فرانس الفرنسية آلية إنشاء متنزه بيئي طبيعي في منطقة المتن الأعلى، دون أن يكون الشاعر الفرنسي لامرتين ملهمه الوحيد في البحث عن الخصائص الجمالية للوادي المتني الجميل.
يندرج مشروع «التعاون اللامركزي» في إطار برنامج تحسين الحكم المحلي الذي يديره مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية إبراهيم شمس الدين، بتمويل من الاتحاد الأوروبي. ويتولى مكتب منظمة المدن والحكومات المحلية إدارة الشق التقني المتعلق بالتعاون اللامركزي بين عدد من المناطق الأوروبية وتجمعات بلدية لبنانية.
مديرة البرنامج، هند الخطيب، شرحت الوضع الحالي لعلاقات التعاون اللامركزي ودور وزارة التنمية الإدارية فيها. وأعلنت أن التكلفة الإجمالية للمشروع بلغت 4 ملايين يورو، على أن يتم تمديده إلى العام المقبل، بعدما كان مقرراً أن ينتهي أواخر هذا العام.
وقد أكد الوزير السابق د. سامي منقارة، مستشار المشروع، لـ«الأخبار»، أن عدم وجود دعم كاف للبلديات اللبنانية، وكذلك التعقيدات الإدارية المفروضة عليها تمثّل عوائق أساسية أمام قدرتها على صوغ علاقات شراكة متينة، إضافة إلى ضعف جهازها البشري مقارنة مع الجهاز البشري في السلطات اللامركزية الأوروبية.
وأعلن المنسق الميداني مع تجمّع بلديات جزين ألبير عازار البدء بخمسة مشاريع مباشرة في المنطقة، كإعادة تأهيل الحِرَف الجزينية والمطاحن والمعاصر القديمة وتأهيل غابة بكاسين. والحال نفسها في المشاريع المنفذة في مناطق الجومة ـــــ عكار وبنت جبيل وعاليه وكسروان والشوف حيث ترتكز هذه المشاريع على تنمية القدرات الزراعية والسياحية والحفاظ على البيئة والتراث.
حلا مغني من منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة، شرحت دور المنظمة في البحث عن شريك أوروبي لكل تجمع بلديات لبناني وتنظيم لقاءات وزيارات تقنية، وصولاً إلى توقيع اتفاقيات التعاون وصياغة مشاريع تعاون مشتركة.


السلام في خدمة التنمية

كان لافتاً في حفل افتتاح المؤتمر الكلمة التي ألقاها وزير العلاقات الخارجية في مقاطعة توسكانا الإيطالية ماسيمو توسكي، إذ تكررت فيها كلمة «السلام في خدمة التنمية» أكثر من مرة، مشدداً على أن السلام في الشرق الأوسط هو المدخل إلى علاقات تنموية متوسطية واسعة. كلام توسكي لاقاه كلام الوزير إبراهيم شمس الدين، الذي دعا إلى «ترسيخ التعاون القائم على السلام الذي يبدأ مع الذات لينطلق إلى السلام الحيوي مع الآخرين الذين يمدّون لنا أياديهم بسلام». وحرّض شمس الدين ممثّلي البلديات على السياسيين، قائلاً لهم: «إنكم أكثر نبلاً وأكثر فائدة من كثير من السياسيين، فلا تخضعوا لهم».