بيرووووت.. بيروت»، يتفنّن سائقو الفانات في إطلاق عنوان وجهتهم، يمطّون الكلمة أو يختصرونها، ينغّمونها أو يصرخونها ... حنقاً، كما يفعل أبو نمر الميس، وهو سائق فان أجرة يلمّ ركابه وزبائنه من ساحة شتورا في البقاع. أما حنقه، فيصبّه من خلال إشارة بذيئة بإصبعه الوسطى يقوم بها باتجاه سائق «فان» آخر يحمل لوحة سورية، لأنه توقف أمامه وأقل أحد الركاب من «زبائنه المحتملين»
البقاع ــ أسامة القادري
«الحق مش عليك. الحق على دولتنا»، يقول أبو نمر الميس مغمغماً و«ملطشاً» بطريقه أحد عناصر الدرك، الواقف بدون أي ردّ فعل في موقف شتورا، فمن واجب الدولة منع أصحاب النمر السورية من العمل على الأراضي اللبنانية وفق مبدأ المعاملة بالمثل المعروف بين الدول.
يتكرّر هذا المشهد مع بداية العد العكسي للأيام العشرة التي تسبق حلول أي عيد من الأعياد، فيعمّ الحنق معظم سائقي الفانات اللبنانيين لا أبو نمر وحده. فهؤلاء ينتظرون هذا الموسم بفارغ الصبر، وإذا بالفانات والحافلات السورية تبدأ بالتوافد من دمشق عبر نقطة المصنع الحدودية، لتشاركهم أرباحه. فكثافة حركة العمال السوريين وارتفاع معدل تنقلهم في مواسم الأعياد، يدفع سائقي هذه الفانات السورية إلى القيام بأكثر من رحلة واحدة بين سوريا ولبنان في اليوم الواحد، وإلى نقل الركاب السوريين واللبنانيين كذلك، مستفيدين من قيمة تنافسية عالية سببها تدنّي تعرفة النقل التي يطلبونها من الزبائن، بسبب رخص المازوت الذي تعمل فاناتهم عليه، نسبة إلى البنزين المطلوب من سائقي الفانات اللبنانية التقيد به.
هكذا، لا يتوقف استياء السائقين اللبنانيين على المنافسة غير المشروعة من جانب زملائهم السوريين فحسب، بل يتذمرون من أن فاناتهم تعمل على مادة المازوت الممنوع استعمالها داخل الأراضي اللبنانية. ما أوجد لديهم جملة من الاعتراضات، والتساؤلات عن حقوق سائقي سيارات الأجرة اللبنانية وآليات حماية «لقمة عيشهم» من المنافسة السورية وحتى الأردنية.
يؤكد أبو نمر أن دوافع اعتراضه بريئة كلياً من الخلفيات السياسية، فهو «مش مع حدا أصلاً»، ويشرح: «قصتنا مع الفانات السورية ما إلها علاقة بالسياسة أبدا.. بس طفح الكيل. مننطر موسم الأعياد مناطرة من العيد للعيد»، متسائلاً «لماذا يُمنع الفان اللبناني من التجوال في الأحياء والقرى السورية بينما يسمح للفانات السورية بالعمل على أراضينا؟ فالشرطي السوري يفرض على السائق اللبناني أن يركن فانه أو سيارته داخل موقف «السومرية» العام، الذي يبعد عن الأراضي اللبنانية حوالى 30 كلم، وعن مدينة دمشق حوالى 25 كلم.
من هناك، يستقل السائق اللبناني سيارة أجرة إذا أراد زيارة أحد أو التسوّق، يعود بعدها إلى الموقف ليستقل فانه من دون السماح له بأن يقلّ ركاباً من داخل الأراضي السورية ولا من الموقف. فلو غادر الفان اللبناني الأراضي السورية ومعه ركاب، دغري الجمارك السورية بيعملوا فيه ضبط».
يؤكد طارق شكر مشروعية استياء زميله «بالأراضي السورية نحن بناكل الضرب، وعنا الدرك ما بيتشاطروا إلّا علينا. أما الفان السوري وهو يعمل على المازوت، فبيقطع عنهم وكأنه ما مرق»، لافتاً إلى أن «المانيفست»، أي الجدول بلغة السائقين «يحدّد للفان السوري نقطة الموقف الموحّد، فإما شتورا فقط أو بيروت، ما يُلزمه، نظرياً، التوقف في شتورا أو في بيروت لإنزال ركابه، دون إقلال ركاب مختلفين»، مستنكراً «القانون موجود عنا مثله مثل أي بلد في العالم بس مين بيطبقه؟». فبحسب القانون اللبناني، يفرض على السيارة أو الفان أو الحافلة الكبيرة العربية أن تتوقف في الموقف المحدّد لتوقفها، ويمنع عليها التجوال داخل الأراضي اللبنانية.
لكن، ما يحدث فعلياً هو أن الفانات والسيارات العمومية السورية لا تتوقف، بل تنقل الركاب من داخل سوريا وتوصلهم إلى حيث يريدون، وأينما كانت القرى والمناطق التي يعملون فيها.
يضيف شكر إن سائقي الفانات والسيارات السورية «لا يكتفون بإيصال ركابهم الآتين من سوريا، بل ينقلون أيضاً الركاب اللبنانيين داخل الأراضي اللبنانية أمام عيون الدرك». خاتماً أن السائقين اللبنانيين «فوّلو» من هذه التجاوزات.
هذا ما أكده أيضاً زكي دني، وهو صاحب وسائق فان للأجرة يعمل في موقف شتورا أيضاً، متذكّراً حادثة وقعت معه «ذات مرة وأنا أقلّ ركاباً من بيروت إلى شتورا توقفت عند مفترق الصياد كي «أفوّل» مقاعد الفان، فاستغل الركاب وقوفي لينزل 7 منهم ويستقلوا فاناً سورياً كان ينتظر الزبائن عند هذه النقطة. يومها، شكوته لشرطي السير الذي كان واقفاً هناك، فسخر مني وقللي شو ناطرني اعملك.. روح دبر راسك».
أما السائق جنبلاط سعيد، فشكواه لا تقتصر على السائق السوري، بل «تشمل سيارات الأجرة الأردنية أيضاً التي تتنقّل هي الأخرى في جميع المناطق اللبنانية، ناقلةً المسافرين من منازلهم إلى الأردن مباشرةً من دون التوقف في المواقف الموحّدة، دون أن ينسى توجيه اللوم إلى الجمارك اللبنانية، أولاً لكونها تسمح بدخول فانات تعمل على المازوت، وثانياً لكونها لا تطبّق القانون الذي يحدّد الوقت الذي يجب على السيارات والفانات السورية العمومية أن تغادر فيه الأراضي اللبنانية، لتتيح للسيارات اللبنانية أن تأخذ حصتها من الركاب المتوجّهين إلى سوريا»، مطالباً إياها بتطبيق قاعدة المعاملة بالمثل لأنه «ما بيكفي أنو الشغل خفيف أصلاً؟ بدو ييجي مين يزاحمنا عليه كمان؟ شو نحنا ناقصين؟».
لا ينجو «سلك الدرك» من لوم سعيد وغضبه، على اعتبار أنه «يزيد الطينة بلّة» بتغاضيه وغيابه عن هذه المخالفات. ليكون مسك الختام في حديث السائق الغاضب: «الدرك شو خسرانين؟ العتره علينا».