طبعت صفة التنقّل الجغرافي والموسيقي حياة الفلسطيني فيصل البيبي. اختبر الشاب ثقافات كثيرة بسبب دراسته وعزف في حانات المدن
هاني نعيم
أُعجب الشاب الفلسطيني فيصل البيبي في سن الرابعة بآلة الكمان، فلم يمانع الأهل شراءها. كان ذلك في عام 1984حين بدأ فيصل مسيرته في الحقل الموسيقي. لكن ظروف الحرب الأهليّة أدت إلى هجرته مع أهله من رأس بيروت إلى جزيرة قبرص، والبقاء فيها نحو 6 سنوات.
عاد فيصل إلى بيروت في عام 1992، واكتشف حينها أنه لا يحبّ الكمان «الغريب» كما يصفه، فانتقل إلى آلة الغيتار وتعلّم لمدّة عام واحد القواعد الأساسيّة قبل أن يعبّر عن ذاته بالعزف وعدم الاكتفاء بمقطوعات بيتهوفن وموزارت وغيرهما.
قدرة الشاب على التعبير مكّنته في عام 1994 من إنشاء فرقة تعزف موسيقى «الروك» في ثانويّة الإنترناشيونال كولدج (IC) وتنظيم حفلات في حانة «American Dream» في شارع جان دارك، أحد متفرّعات الحمرا، رغم الشائعات حينها التي كانت تطال عازفي الروك وتصفهم بعبدة الشيطان. يقول: «كان مستغرباً مساهمة الجرائد بنشر مثل هذه الأكاذيب».
توقّفت الفرقة عن العمل بعد تخرّج فيصل من المدرسة في عام 1997. ذهب إلى سان دييغو في كاليفورنيا لزيارة خاله، واكتشف هناك أن الجامعات الصغيرة تؤهّل ذوي المعدلات المتدنية للدخول إلى الجامعات الكبرى. هكذا درس فيصل فيها مدة سنتين.
ساعدت الدراسة الشاب، وتمكن هناك من تأسيس فرقة «روك» مع شباب أميركيين، إلى جانب العزف في حانات كاليفورنيا. لكن بعد سنتين، انتقل فيصل إلى جامعة باركلي في كاليفورنيا وقرر دراسة الأنثروبولوجيا «لأنني كنت أبحث عن علم يشمل علم الاجتماع والآثار والتاريخ وتطوير الإنسان».
ومنذ تخرّجه عام 2001، وحتى عام 2004، عمل على اكتساب خبرة في مجال الأبحاث الميدانيّة عبر العمل في مختبر الجامعة ومساعدة أستاذه في الأبحاث.
ترك فيصل العمل الموسيقي الجماعي بين 1999 و2003 وبدأ يعزف الموسيقى وحده، وتسجيل أعماله على أقراص مدمجة ليتشاركها مع أصدقائه. يقول: «اكتشفت أفقاً جديداً، وحريّة أكبر لخلق الموسيقى».
أحدث عام 2004 تحوّلاً أكاديمياً وموسيقياً في حياة فيصل، فانتقل إلى شمال شرق الولايات المتحدة، إلى ولاية كونكتيكت، لوضع أطروحة الدكتوراه، التي تنتهي في أيار المقبل، حيث اختار موضوع «تطور الغزلان» أكاديميّاً. غادر الروك والغيتار لينتقل إلى الموسيقى الإلكترونيّة، وهي نوع موسيقي بدأ في سبعينيات القرن الماضي.
على الصعيد الأكاديمي، يشرح فيصل اختصاصه الذي «يتعلّق بتطور الحياة والطبيعة، ويتكامل مع الأبحاث المختلفة المتعلّقة بالمناخ والتغييرات التي تمر بها القارات». لا يكتفي بذلك فحسب، بل يعطي اختصاصه طابعاً فلسفيّاً، «فهذه الدراسات تتكامل لتساعد على البحث عن هويّة الإنسان، وتجيب عن أسئلته لتحدد موقفه من الكون والاتجاه الذي يذهب إليه». جعلت الدراسة من فيصل «مختبر الحضارات» إذ زار نحو 20 دولة، من بينها 6 دول ضمن العمل في أبحاثه، ورسّخت لديه اقتناعات قديمة: «مهما اختلفت اللغات والقيم بين الشعوب، فهي تسعى إلى الحياة، والإنسان قيمة جوهريّة أينما كان».
تسمح الموسيقى الإلكترونيّة لفيصل بالتحكّم بالأصوات، «فليست هناك حدود للعمل ويمكن إنتاج أي صوت أريده». وهذا ساعده على المشاركة في إعداد موسيقى تصويريّة لكتاب «ماذا لو؟» الخاص بالأطفال والصادر عن دار الأصالة وشركة إيقاع.
يلعب فيصل وحده، وأحياناً مع مجموعة موسيقية في حانات شارع الحمرا، حيث يحضر جمهور الموسيقى الإلكترونيّة، وبرأيه «سيتوسّع هذا الجمهور أكثر بين الشباب لأنهم يسعون للاستكشاف».
وعن قدرة الموسيقى على التغيير، يقول: «تشعل الموسيقى يوماً بعد يوم النار التي تحرّك الناس نحو التغيير». لكن هل البلاد مقبلة على تغيير ايجابي؟ يصمت فيصل. الجواب ليس ملكه فقط، بل ملك الناس.