strong>راجانا حمية ــ قاسم س. قاسمفي «رحلة العذاب»، يروي ابن قرية الدامون الفلسطينية حسين لوباني حكاية تشرّد العائلة بين قريتين لبنانيتين: رميش وبنت جبيل. في الأولى، يتذكر لوباني «لحظات العطش، حيث عز الماء هناك حتى بثمنه، وصار الأهالي يشيرون إلينا إلى بركة ماء آسن تتوسطها جثة خنزير ميت». لم يشربوا. حملوا عطشهم وخيبتهم، وهبطوا الأودية حتى وصلوا إلى بنت جبيل. هناك، أخذ حسين يفتش ووالده عن الماء. طرقا الأبواب، إلى أن وصلا إلى أحد المنازل. سألت صاحبة المنزل الطفل: شو اسمك؟ فأجابها: حسين. قالت: يا شحاري، وبيّك شو اسمو؟ فلما أجابها: علي، صرخت بصوتٍ عالٍ: يا شحار شحاري، هوي حسين وبيو علي، ورح يموتوا من العطش. ثم أحضرت المرأة إبريقاً من الماء أعطتهما إياه. كان ذلك قبل 61 عاماً، ولكنّه لم يغب أمس عن جلستي الندوة التي نظّمتها اللجنة الوطنية اللبنانية لليونيسكو، بالتعاون مع اللجنة الوطنية الفلسطينية لليونيسكو والمجلس الأعلى للتربية والثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية حول «الواقع التربوي الثقافي الفلسطيني: الإشكاليات والاحتياجات». ففي الجلسة الأولى، استعاد سكرتير تحرير مجلة الدراسات الفلسطينية الزميل صقر أبو فخر الحادثة بتفاصيلها في مداخلته «الفلسطينيون في لبنان: صورة بالعدسة المقربة»، التي عقّب فيها على مداخلة أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة اللبنانية سعود المولى «الفلسطينيون من المنظور اللبناني». فبعد هذه السنوات، يجد أبو فخر أنّ «هذه الحادثة برمزيتها توجز الانقسام اللبناني حيال الوجود الفلسطيني، حيث وقف اللبنانيون وقفاتٍ متعاكسة من اللاجئين ومن العمل الفدائي، فكانوا تارة متضامنين، وطوراً آخر معادين أو خائفين، بحسب الظروف السياسيّة التي يمر بها لبنان». في ذلك التعقيب، استعان أبو فخر بأمثلة واقعيّة عما يتعرّض له اللاجئ في مناطق لجوئه، فـ«برّد» قليلاً من «الحماوة» التي أحدثتها مداخلة المولى المتعلّقة بالسرد التاريخي السياسي للعلاقة بين الدولة اللبنانية والمواطنين الفلسطينيّين واللاجئين منذ خروجهم من فلسطين إلى اليوم، حيث تطرّق لأبوابٍ كثيرة منها حقّ العمل والتملك وتعامل لبنان الرسمي مع اللاجئين وواقع الحياة في المخيمات. وقد واجهت هذه المداخلة انتقاداتٍ قاسية من الحاضرين، وخصوصاً الجزء المتعلّق بالوضع الشيعي والعلاقة المأزومة بين الشيعة والفلسطينيين. وسأل أحد الحاضرين، الدكتور حسين قاسم: «عن لزوم أن يكون هناك باب خاص بالشيعة وحدهم، ولم لا يكون هناك باب آخر للسنّة والموارنة؟». كذلك انتقد قاسم بشدّة توسّع المولى في الباب المتعلّق بتجاوب القادة اللبنانيين من مثل أمين الجميل وسمير جعجع مع الإعلان الفلسطيني وبيان المسامحة، متسائلاً «هل يعني تجاوب هؤلاء نسيان مرحلة التصادم وهل يعني بالتالي نسيان الماضي والشهداء؟». أما السيد هاني فحص، فقد لفت إلى أنّ العلاقة بين الفلسطيني واللبناني كانت «خصوصاً مع أهل الجنوب، علاقة مصلحة وقيم مشتركة ومصاهرة، أما التفرقة التي تحصل بين الناس من وقتٍ لآخر، فهي شغل السلطة بمعناها العام». ولم تقف الانتقادات عند هذه الحدود، فقد ثار مشرف حقوق الإنسان في وكالة الأونروا محمود زيدان على ما ورد في مداخلة المولى «التي لا تمتّ إلى محور الثقافة والهوية والعلاقة الفلسطينية اللبنانية في أي شيء، فقد كان حريّاً بنا أن نحدد الإشكاليات والمخاطر التي تتهدّد الشباب الفلسطيني في علاقتهم مع اللبنانيين، ومن شأن هذا التحديد أن نعرف كيف نوصل هواجسنا إلى الدولة اللبنانيّة».
الحماوة التي سيطرت على نقاشات الجزء الأول من الجلسة الأولى، لم تنسحب على مداخلتي الجزء الثاني منها اللتين دارتا حول «التمايز والاندماج الفلسطيني في المجتمع اللبناني منذ عام 1948». فقد أشار الأستاذ في معهد العلوم الاجتماعيّة محمود العلي إلى «أن علاقة اللاجئين بالمجتمع اللبناني بقيت محكومة بالتطورات السياسية من جهة، وثقافة المجتمع اللبناني المضيف وبنيته من جهةٍ ثانية».
بعد الظهر تطرق الباحث جابر سليمان للواقع الثقافي في المخيمات. فوجد أن «أهم مصدر يستقي اللاجئ منه الثقافة هو التلفزيون، ما يسهم في تراجع مهارة القراءة».
وانتقد سليمان عدم «اهتمام الأونروا بالهوية الثقافية للشعب الفلسطيني في مدارسها» . أما المدير العام لمؤسسة بيت أطفال الصمود قاسم عينا فقال «إن المنهاج الذي تعتمده الأونروا في مدارسها لبناني، يغيب عنه كتاب تاريخ وجغرافيا فلسطيني». أما رئيس المجلس الأعلى للتربية والثقافة والعلوم يحيى يخلف، فقد شرح الخطة التي وضعها المجلس لنقل «الثقافة الفلسطينية من الارتجال إلى خطة ثقافية موحدة». ووضع «مسودة للمشروع الثقافي الفلسطيني وإستراتجيته المستقبلية». مضيفاً إنه «جرى إقرار الخطة وستوقّع خطة تنفيذية مع اليونيسكو والدول المانحة».
يذكر أن الندوة تنتهي اليوم، بعقد جلستين حول الوضع التعليمي والتربوي الفلسطيني في لبنان، ودور الأونروا في تعليم الفلسطينيين.