للمرة السابعة على التوالي، نظّمت مؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية، معرضاً لرسومات تلامذتها. أوّل من أمس، في مبنى جمعية الفنانين اللبنانيين، وقف التلاميذ أمام رسوماتهم. لم تحل صعوبة النطق دون قدرتهم على شرحها، ليثبوا أنهم لا يكتفون بالريشة أداة تعبيرية وحيدة
محمد محسن
يرفض الرسّامون الصغار في المعرض الذي تنظّمه مؤسسة الهادي، الإجابة عن الأسئلة، قبل أن يمسكوا بيدك، ويأخذوك في رحلة تبلغ أمتاراً عدة داخل المعرض، ليطلعوك على لوحات رسمتها ريشاتهم، تخبر عمّا يجول في خاطرهم. طبعاً، هم لم يلقّنوا ذلك من المنظمين، لكن العفوية التي زينت رسوماتهم، هي ذاتها التي حكمت تصرفاتهم.
تبدي إعجاباً مستحقّاً برسوماتهم، تسمعهم إعجابك عبر حركة بإبهام يدك، فيبتسمون، ويبدون استعدادهم للإجابة والشرح. هكذا، يقف سفيان خبّاز أمام لوحته الصغيرة، يشير إليها مبتسماً، ويقول بلغة مقطّعة «باب الحارة». تستدعي صعوبة النطق عند سفيان مشاركة إحدى معلّماته، لتترجم له أسئلتنا بيديها، فتأتي إجاباته أسرع. يقول سفيان إن الوجه الذي رسمه هو وجه «الزعيم أبو صالح، إحدى شخصيات مسلسل باب الحارة» أمّا السبب، فـ«لأنّني معجب بشخصيته القوية» يقول مستعملاً يديه وتعابير وجهه. يصطحبك الرسام الصغير إلى ناحية أخرى من المعرض، هناك، لوحة أخرى له عن فصل الربيع في اليابان، التي تبهره حضارتها وتطوّر العلوم فيها. سفيان هو عيّنة من تلامذة كثيرين، بدا واضحاً من خلال تعبيرهم ورسوماتهم، أنّ احتياجاتهم الخاصة لم تمنعهم من الإحاطة بما يجري حولهم، أسوةً بمن هم في السن نفسه. أمّا أحمد برجاوي، فقد كلّفته لوحة البيت القرميدي «كما أحب بيتي في المستقبل» اثنتي عشرة ساعة رسم، بمساعدة معلمة الرسم في المؤسسة.
تنتشر في المعرض قرابة المئة لوحةً، شارك في رسمها ستوّن تلميذاً من المؤسسة، تتراوح أعمارهم بين تسعة أعوام وعشرين عاماً، ويعانون جميعاً إعاقات سمعيّة. قرب كل لوحة ورقة صغيرة بيضاء، تحمل اسم الرسّام وعمره وصفّه، اسم اللوحة، إضافةً إلى نوعية المواد المستعملة، حيث تنوّعت بوضوح، بين الألوان الزيتية والحبر الصيني وبعض الأقمشة، والأكواريل.
تكثر لوحات «البورتريه» في المعرض، واللافت أن معظمها مستوحى من التراث القديم. تشدّك لوحة رجل طويل الشاربين، رسمها علي عبّود، الذي تميّز بنشاطه اللافت في قاعة المعرض وبين أقرانه. لم تحتج المعلّمة لتوجيه أكثر من سؤال واحد عن سبب طول الشاربين، حتى غيّر علي تعابير وجهه، مشيراً إلى أنّه «هيدا بابا» رابطاً الرجولة والقسوة بطول الشاربين.
أمّا رسوم يوسف المولى (19 عاماً)، فقد أخذت منحىً هندسيّاً، لا يمكن زيارة المعرض دون الوقوف على تفاصيله. رسم يوسف لوحتين، الأولى مستوحاة من قلعة صور. يثبّت سمّاعة الأذن، ويقول بلغة الإشارة التي تعلّمها في المؤسسة «لأنو إلا علاقة بتراث لبنان». يشرح مغزى الرسم الثاني، الذي يتعلق برياضة «الكاراتيه»، مبرراً سبب رسمها بأنّها رياضة القوّة «ويجب أن تتوافر في لبنان». هكذا، تبدو طاقات التلامذة الصمّ المختزنة داخلهم، أكبر من مساحة تفردها لوحة. هم حتماً يملكون ما هو أغنى من ذلك بكثير. المهمّ أنّهم عبّروا، بحضور أهلهم الذين أمدهم حضورهم بثقة وبإحساس بالتحقق كان ظاهراً. طموحاتهم المحقّة تعكس هذه الطاقات الكامنة، بعضهم قرر أن يصبح رسّاماً بالريشة، وبعضهم اختار هندسة الديكور، وقد قطع مراحل في هذه الدراسة. لم تحدّ إصابتهم بالصمم من تطوير مواهبهم، ومن التعبير عن أنفسهم وإطلاق العنان لخيالهم وتجسيد الصور المحيطة بهم. في لوحاتهم، نطقت طبيعتهم الصامتة.


وعد بألا تحدّ الإعاقة الطموح

قبل عامين، نالت التلميذة زهراء حسين (12 عاماً) الجائزة الذهبية في مهرجان «بينال بيروت» للرسم، الذي شاركت فيه أكثر من أربعين دولة عربية وأجنبية. تقف زهراء بين والدتها ومعلّماتها، مشيرة إلى اللوحة التي نالت الجائزة بسببها، «الحمّام». حين سألت عن سبب اختيارها الحمّام قالت «إنّو حلو». توضح والدة زهراء جواب ابنتها، فتشير إلى أنّ معلّمة الرسم حينذاك، طلبت من التلامذة رسم أي جزء من بيوتهم، فما كان من زهراء إلا أن رسمت الحمّام الوحيد في المنزل، والسبب هو فترات انتظار الدخول إليه بينها وبين وإخوتها. زهراء لم تستطع أن ترسم رسومات كبيرة، لأنّها تعاني مشكلة حركية إلى جانب صممها، لكنّها تعد بأن الوجع لن يحدّ من طموحها.