عمر نشابةانكفأ أخيراً شعار «الحقيقة» الذي رفعه الآلاف خلال التظاهرات الحاشدة التي تلت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. كذلك أزيل شعار «العدالة» الذي كان قد أضيف إلى «الحقيقة» بعد إعلان إنشاء المحكمة الدولية. وتوقّف العدّاد الإلكتروني، فتحوّلت شاشاته إلى مربّعات سوداء. وتغيّرت اللغة فباتت اتهامات السياسيين لسوريا أو لإيران «وحلفائهما» في لبنان باغتيال الحريري نادرة، وعاد الجميع إلى الخطاب المموّه. فمن احمرّ وجهه من كثرة الدعوة بالصراخ لـ«الثأر من سوريا»، ومن انفعل على المنابر وتشابكت يداه بيدي عدوّ الماضي لمعاداة حليف الماضي، هدأ أخيراً.
لكن ماذا أراد هؤلاء خلال زمن انفعالهم وماذا يريدون اليوم من المحكمة الدولية التي «ناضلوا» لإنشائها عبر الطلب من أميركا وفرنسا فرضها بقرار مجلس الأمن؟
اسألوا آلاف اللبنانيين عمّن قتل رفيق الحريري تجدوا الجواب، همساً أو علناً. واسألوا السياسيين، المعارضين والموالين والوسطيين (إن وجدوا)، نادراً ما سيجيبون: «لا أعرف». كلّ واحد منهم يعرف. كأن الحكم قد صدر ولم يطعن أحد فيه، وكانت مرافعة الدفاع أضعف من أن تذكر. وكان عمل المحكمة قد انطلق بعد صدور الحكم وبعد معاقبة المذنبين لأربع سنوات في السجن.
يتمنى الذين رفعوا صور الضباط الأربعة خلال التظاهرات أن يصدر عن المحكمة الدولية قرار يدينهم أو يتهمهم أو يشتبه فيهم أو يحتجزهم أو يمدّد احتجازهم إلى حين بتّ القاضي أمرهم: فلا فرق بين هذه القرارات. وزير عدل سابق أكّد أخيراً أن الضباط ليسوا أبرياء حتى لو أفرج عنهم. وبذلك أزال معالي الوزير قرينة البراءة من معجم القانون وأعاد الاعتبار في حاجته والفئة السياسية التي ينتمي إليها إلى المحكمة الدولية.
المحكمة هي آلية تحقيق العدل عبر البحث عن الحقيقة والتأكّد من صحّتها ومن ثمّ إصدار العقوبة بحقّ من ارتكب الجريمة. وحتى ينطلق عملها انطلاقاً سليماً وواعداً، يفترض أن يسلّم اللبنانيون بأنهم «لا يعرفون من قتل رفيق الحريري». وإذا كانوا يعرفون، فلا معنى لقيام المحكمة. فإذا أطلقت سراح من عدّوا مذنبين، فسيُقال إنها تسوية سياسية، وإذا تبيّن أنهم فعلاً مذنبون فسيقال أيضاً... إنها تسوية سياسية.