عمر نشابةانتقلت إذاً المواجهة مع انتقال الاختصاص القضائي إلى هولندا حيث يتحصّن فرانسين خلف ثغر نظام الإجراءات والأدلة لعدم تعرّضه للمساءلة الحقوقية الدولية وهو يطيح العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية عبر سجن أشخاص من دون إصدار مذكرة توقيف ومن دون اتهام قضائي وعبر تمديد مدة اعتقالهم التي بلغت نحو 4 أعوام في نفس القضية من دون محاكمتهم.
صحيح أن الفقرة «د» من القاعدة 63 شبيهة بالقاعدة 40 من أنظمة الإجراءات والأدلة في المحاكم الدولية الخاصة برواندا ويوغوسلافيا السابقة وسيراليون التي تحظر توقيف مشتبه فيهم رهن التحقيق لمدة تزيد على 30 يوماً قابلة للتجديد مرّتين (مجموع 90 يوماً)، إنما الذي يميّز قواعد المحكمة الخاصة للبنان هو أن القاعدة 63 تشير إلى أن المهلة تبدأ فور نقل الموقوفين إلى مقرّ المحكمة. إن قرار فرانسين بعدم نقل الضباط إلى مقرّ المحكمة في لايتسكندام (لاهاي) قبل اطّلاعه على كامل مضمون ملفات التحقيق التي أحالها إليه القضاء اللبناني يوم انتقال الاختصاص، لا يخضع مدة التوقيف لمقتضيات القاعدة 63. يعني ذلك أن مدة توقيف الضباط لا يحدّدها بدقة نصّ قانوني بل اعتبارات أخرى.
وكان بإمكان المدعي العام الدولي دنيال بلمار، بحسب القاعدة 62 من النظام أن يطلب من السلطات القضائية اللبنانية توقيف الضباط الأربعة بحسب القانون اللبناني (الفقرة «أ» المقطع الاوّل)، لكنه لم يفعل بل فضّل نشر نصّ رسالة كان قد بعث بها إلى القاضي فرانسين في 25 آذار الماضي طلب فيها تطبيق القاعدة 17 ليحمي نفسه من اي اتهام بالتأخير أو المماطلة. إذ إن بلمار يدرك جيداً عدم شرعية احتجاز أشخاص لمدد طويلة قبل اتهامهم أو إحالتهم إلى المحاكمة.

الجولة الآتية في هولندا

وصل أمس رئيس مكتب الدفاع فرانسوا رو ومنسّق الدفاع يوري ماس إلى بيروت حيث سيبدآن جولة على الوكلاء القانونيين للضباط الأربعة للبحث في سبل الدعم التقني الذي يمكن أن يقدمه المكتب لمواجهة كلّ ما يتعارض مع الحقوق القانونية للموقوفين. وعلمت «الأخبار» أن الدفاع كان قد استغرب قرار القاضي فرانسين بأمر السلطات اللبنانية توقيف الضباط الأربعة قبل الاطّلاع على ملفات التحقيق إذ إن ذلك يبدو مخالفاً لمعايير العدالة.
قرار مجلس الأمن 1757 نصّ على أن المحكمة يفترض أن تعمل «استناداً إلى أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الجنائية». وأوضحت القاعدة الثالثة من نظام الإجراءات والأدلّة أن تفسير مضمونها يأتي وفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان، والمبادئ العامة للقانون الجنائي الدولي. تمنع هذه المعايير والمبادئ احتجاز أشخاص لنحو أربع سنوات من دون اتهامهم بارتكاب جريمة ومن دون إحالتهم إلى المحاكمة. ستكون إذاً لاهاي ساحة للجولة الآتية من المصارعة بين السياسة والعدل، إذ إنه سيصعب على الرئيس أنطونيو كاسيزي والقاضي فرانسين وغيرهما من القضاة تبرير خرق مبدأ إحالة الموقوفين سريعاً إلى المحاكمة أو إطلاق سراحهم فوراً. وبالتالي فإن أي إصرار لفرانسين أو لغيره بتمديد التوقيف بسبب عجز في الإسراع في الترجمة أو لأسباب أخرى قد تُختَلَق، يُعتبر مؤشّراً على تسييس المحكمة وتوظيفها لمصلحة فريق على حساب آخر.