عكار ــ روبير عبد اللهتمر الذكرى الثانية للتهجير الثاني الذي تعرض له أبناء مخيم نهار البارد، وما تزال أسباب الحرب وحيثياتها الفعلية طيّ الكتمان. لكن، تداعياتها المأسوية تتكشف يوماً بعد آخر بما يتجاوز التهجير الأول، عندما اقتلع الغزاة الصهاينة الشعب الفلسطيني من أرضه بعد نكبة 1948.
أما التهجير الأول، بكل أهواله ومآسيه، فقد استولد من رحم معاناة الشعب الفلسطيني قضية شغلت العالم العربي، وشكّلت نقطة تواصل بين مختلف أحزابه وتياراته الفكرية والسياسية. لكن الحرب التي دارت رحاها في مخيم نهر البارد، مثّلت ذروة ابتعاد القضية الفلسطينية عن دائرة اهتمام أقرب الناس إليها، حتى إن القرى والبلدات المجاورة إليها في المنية وعكار، باتت تنتج خطاباً يتنافى مع تاريخ من التضامن والتواصل والتفاعل مع أبناء المخيم. كل ذلك بسبب جراح أحدثتها تلك الحرب، ولم يكن لشعب المخيم أدنى علاقة بها، بل كان الضحية التي دفعت فاتورتها الأكبر.
لا يزال أبناء المخيم، العائدون منهم والمهجرون، يعيشون أقسى أنواع الإهمال والتشرد. ولم تزل آلاف العائلات خارج المخيم، لم يستقر معظمها في عمل يقيها العوز، وطلاب المدارس يعانون ذل استخدام تراخيص المرور. كما لا تزال العائلات المنتشرة بين المخيم وخارجه تعاني صعوبة لمّ الشمل، فتستفحل حال المرضى مثلاً عند غياب النصير من أبناء الأسرة الواحدة، بفعل ما طرأ من توزع أماكن الإقامة وأماكن العمل بين مخيمات البداوي وتلك المنتشرة في بيروت والجنوب. ويتساءل أبناء المخيم عن التباطؤ في كل الملفات التي أنتجتها تلك الحرب. إذا كان إعمار المخيم القديم الذي دمر بالكامل أمراً عسيراً، فلماذا لا يسمح بترميم الحي الجديد، وخصوصاً أن المباني فيه هي أملاك خاصة؟ وإذا كانت الإجراءات الأمنية قد فقدت مبرراتها، فمتى يُفرج عن أبناء المخيم ويسترجعون حرية حركتهم من دون تصاريح المرور؟ والأملاك المنهوبة من المباني والمحال التجارية؟ إضافة إلى ما أتلف بفعل القصف والتدمير، وهو يتجاوز مئات الملايين مما ادّخره الفلسطينيون على مدى سنوات شتاتهم، ما هي آليات التعويض عنها؟ كذلك يتساءل فلسطينيو المخيم عن المتهمين منهم بالضلوع بأحداث المخيم، وعن مصير التحقيق معهم، وبالتالي عن حقوق الأبرياء منهم بعد سنوات السجن والاعتقال. أسئلة يحتار أبناء المخيم في اختيار الجهة التي توجّه إليها، هل يتوجهون إلى السلطة اللبنانية أم إلى المنظمات الفلسطينية أم إلى الأونروا والمجتمع الدولي؟
في الآونة الأخيرة بدأت تمتد جسور لإعادة اللحمة بين أبناء المخيم والجوار، قد تكون مناسبة لإعادة توجيه البوصلة نحو أصل المعاناة، لإخراج الشعبين اللبناني والفلسطيني من شرنقة الخلافات الداخلية.