خلال الأسبوع الماضي، وعلى امتداد خمسة أيام، استضافت بيروت مهرجانين للأفلام السينمائيّة الطلابية، يفصل بينهما شارع واحد: أحدهما دار في صالة مقفلة، فيما نظّم الآخر في الهواء الطلق
هاني نعيم
نظّم «نادي لكل الناس»، الذي يعنى بالسينما اللبنانية والعربية، مهرجان أفلام الطلاب السابع، الذي امتد على ثلاثة أيام، وعرض خلاله 21 فيلماً لبنانياً، بينما شاركت فيه سبع جامعات خاصة: القديس يوسف (3 أفلام)، ألبا (فيلمان)، اللبنانية الأميركية (3 أفلام)، سيدة اللويزة (3 أفلام)، الروح القدس ــــ الكسليك (3 أفلام)، الكفاءات (3 أفلام)، اللبنانية الدولية (فيلم واحد)، بالإضافة إلى مشاركة معهد الفنون الجميلة وكلية الإعلام والتوثيق من الجامعة اللبنانيّة بثلاثة أفلام، أحدها وثائقي يتناول إحدى فرق الفن الشعبي الفلسطيني. وشاركت في هذه الدورة، للمرة الثانية، أربع دول عربيّة: تونس، مصر، الجزائر، وسوريا. طلب النادي من الجامعات اللبنانية التي تحوي معاهد سينما إرسال أفضل الأفلام الطلابية القصيرة إليه. «وصلنا الكثير، ولكننا لم نكن نملك الوقت الكافي لعرضها جميعاً، فاخترنا بعضها»، كما يروي المنسّق العام للنادي، رجا الأشقر. أما عن المعايير التي اعتُمدت لاختيار ما سيعرض من الأفلام، فيقول «الأفلام التي تقدّم الأفكار الجديدة، وتستطيع خرق المحظورات الاجتماعية والدينيّة، وتؤسس لحوار داخلي بين الناس».
تضمن المهرجان عرض فيليمن يتناولان مواضيع دينية. «XXL عجيبة»، للطالب من «اللبنانية الأميركية» روي يعقوب، الذي يدور حول حادثة غريبة تجري في أحد الأحياء: تمثال العذراء يتحرّك بمفرده في منزل إحدى السيدات، لينطلق كل فرد من سكان الحي في تفسير دلالات تحرّكها، بينما يتفقون جميعاً على اعتبارها «عجيبة»، إلا ربيع، ابن صاحبة المنزل، الذي يعرف السر. ففي الواقع، كان هو من يحرك التمثال كلما أراد مشاهدة محطة «XXL» كي لا تراقبه العذراء أثناء ممارسته العادة السريّة!
أما «الوصايا التسع» للطالبة من «سيدة اللويزة» إليان معلوف، فتقوم فكرته على انتقام شخصي. تقع «سارة» في غرام «طوني» الذي ما يلبث أن يترك العلاقة ليتحوّل إلى راهب. وعليه، تقرر «سارة» الانتقام منه عبر القيام بعكس الوصايا العشر، «زنى، سرقة، كذب، واشتهاء امرأة الغير».
ليس الدين وحده محور الأفلام. فقد حضرت «الهجرة» عبر مقاربة مختلفة مع «Libanette» للطالبة من اليسوعية نرمين حداد، التي حصدت جائزة الجمهور. تجري أحداث الفيلم في 2010، حيث يتم «إجلاء» آخر رجل لبناني عن الأراضي اللبنانية. وبعد عامين، يقرر أحد الشباب العودة إلى الوطن، ما يثير السرور لدى المجتمع الأنثوي، ولكن المفارقة أنه عاد في تابوت محمّل على الأكتاف.
ولـ«الزمن» حيّزه أيضاً. ففيه، تغوص الطالبة من «سيدة اللويزة»، رانيا عطا الله، عبر «استفهام»، لطرح الأسئلة الوجوديّة التي تفرضها كل دقيقة على حياة الإنسان، ولتنتهي بخلاصة «آخر تفسير للحياة، هو أنه لا وجود تفسير للحياة».
أما فيلم «x appartient à vide» للطالب من «الروح القدس ــــ الكسليك» شارل ديب، فمقاربته للزمن تختلف، إذ يدمج ديب بين واقعين، إنسان الكهف وإنسان الحداثة. وفكرته ترتكز على أن رجل ما قبل التاريخ يجد شيئاً مستقبلياً غريباً، لكنه يرتكب خطأً ما يؤدي إلى نهاية العالم الرقمي وموت إنسان الحداثة.
وطغت قضية العلاقات الإنسانيّة والاجتماعيّة على العديد من مواضيع الأفلام. منها «رسالة إلى أختي» للطالب من اليسوعية سليم مراد، الذي حصد جائزة الحكام (نال جائزة الجمهور والحكام في مهرجان «IESAV» منذ أسبوعين)، مناصفةً مع فيلم «حب معلّق». كما نال الجائزة الثانية فيلم «نعيماً» للطالب في جامعة الكفاءات، سليم صدقة، وهو عبارة عن لقطة واحدة تختصر الشارع اللبناني، حيث يعجز شاب عن تصريف مئة ألف ليرة إلا لدى شحاذ. أما الكوميديا، فقد أمّنت بجرعة عالية من خلال عرض فيلم «أبيض وأسود» للطالبة في الجامعة اللبنانية مهى زغيب الذي يحاكي السينما الصامتة ويتماهى مع أفلام شارلي شابلن.
امتدت التظاهرة السينمائية في بيروت من صوفيل إلى الشارع المحاذي: أفلام كثيرة من تلك التي عرضت في المهرجان، كانت تعرض في الوقت ذاته في الجميزة، ولكن، هذه المرة، ليس في صالة. فمن درج الجميزة، انطلق مهرجان «cabriolet»، أي بلا سقف، ليكون أول مهرجان للسينما الطالبية يعقد في الهواء الطلق، وهي فكرة راودت شباباً من مختلف المشارب الفنية والسينمائية، فطوّروها، ودأبوا على مدى أشهر في التحضير لها.
«لا سقف للسينما، ولا حتّى للأفكار»، تقول المشاركة في التنظيم، صونيا حدشيتي.
وبما أن السينما لا سقف لها واقعاً ومجازاً، بحسب المنظّمين، فقد عُرض، في الهواء الطلق، ستون فيلماً طالبياً من بينها أفلام كانت الرقابة قد منعت عرضها لأسباب دينيّة أو لوجيستية تتعلق بعدم توافر إذن العرض الخطي من مخرجيها، في تحدٍ لسلطة «الأخ الأكبر». خلال تلك العروض، حضرت الأفلام التي أعدها طلاب الجامعات الخاصة بكثافة، فيما غابت إسهامات طلاب الجامعة اللبنانيّة، لسبب عزته صونيا إلى تأخّر الجامعة بإرسال أفلام طلابها.
كان الجمهور كثيفاً في المهرجانين اللذين فصل بينهما شارع واحد: في أحدهما، كان هناك سقف وصالة يضبطان حركته، أما في الآخر، فقد سمح له بالتحدث والتجول أثناء مشاهدة العروض.


أفلام الطلاب العرب لم تغب

تطرّقت الأفلام العربيّة المشاركة في مهرجان «نادي لكل الناس» خصوصاً إلى العلاقة بين السلطة والناس كفيلم «زَبد» السوري، أو الفيلم المصري «رقم قومي»، الذي عالج إحساس المواطن المصري، وسط 70 مليون من أمثاله، بأنه مجرد رقم بين أرقام كثيرة: «مواطن» لا أحد يراه ولا أحد يشعر به، إلا عند انتحاره، حين يصبح بنظر جيرانه «كافراً» لأن الانتحار ضد إرادة الله والدين بالنسبة لهم.