زينب مرعي
عند عتبة الباب، تشعرك الأسقف العالية بالرهبة، وبصغر حجمك. لكنّ حرارة إنسانيّة تتسرّب إليك من مكان ما بين الجدران الهائلة نفسها، فيعتريك شعور مفاجئ بالراحة والطمأنينة. كلّما تقدّمت خطوة إلى الداخل، وجلت في المكان ذي الألوان الترابيّة والإنارة الصفراء الخافتة، غمرك ذلك الإحساس بالهدوء والسكينة. لعلّ أكثر ما يهديك إلى صاحب المكان زهرة «الأوركيد» المزروعة أينما حلَلت، تذكرّك بأنّ أنوثة ما تعيش وتنمو هنا. أين أنت؟ في «إمبراطوريّة الشمس»؟ تسأل نفسك وأنت تنتظر في دار أزياء إيلي صعب، وسط بيروت، حتّى يستقبلك المصمّم العالمي في الموعد تماماً.
انطباعك الأول عنه، أنّه ذلك الرجل الهادئ والرصين نفسه الذي كنت قد رأيته مراراً في مقابلات تلفزيونيّة. تكتشفه خلف الكواليس رجلاً عفويّاً يحبّ أن يُشعر ضيوفه بالراحة. ببساطة، هو يشبه داره وفنّه أو بالأحرى هما اللذان يشبهانه.
خلف الفنّ تقف الموهبة في الدرجة الأولى ثمّ الثقافة برأي إيلي صعب: «ما أقدّمه هو فنّ لا يخلو من الرؤية. أريد ابتكار الجديد دوماً، بعيداً عن الابتذال. هذا الهدف ليس سهلاً، وخصوصاً إن كنت تضع نصب عينيك ابتكار ما يعجب الناس وما هو مهذّب». يتابع شارحاً: «ما أسمّيه الفن المهذّب هو الذي يحترم ذوق السيّدة... وهو أن توفي كلّ من تعمل معه وما تعمل عليه حقّه».
الابن البكر في عائلة من خمسة أولاد، أمضى أوقات فراغه منذ كان في التاسعة في رسم الفساتين لأخواته وتصميمها، ثم كان يسطو على ستائر البيت وشراشفه لتنفيذ تصميماته. لم يكمل صعب دراسته الجامعيّة لاحقاً في هذا المجال لأنها كانت تشعره بالملل، فتمرّس في تقنيّة العمل ليفتتح وهو في الثامنة عشرة من عمره، أوّل مشغل له في منطقة الزلقا. في ذلك المحترف الصغير، عمل معه خمسة عشر شخصاً، ليتحوّل إلى إمبراطوريّة بفرعين أساسيّين، الأول هو «دار إيلي صعب للأزياء» في بيروت بطبقاته الخمس (افتتحه عام 2005) والثاني في باريس (افتتحه عام 2002، وانتقل به إلى داخل المثلّث الذهبي في العاصمة الفرنسيّة عام 2006)، إضافةً إلى خمسين «بوتيك» للملابس الجاهزة حول العالم، تتوافد إليها سيدات السلالات النبيلة... والفنّانات والممثلات العربيات والأجنبيّات.
يرى صعب أنّ كل قطعة ينتجها في مجموعاته هي قطعة فنّية مميّزة وفريدة، لذلك لا يصمّم قطعاً خاصة خارج مجموعاته. رغم هذه الفرادة، يبقى تعاطيه مع أزيائه وتصميماته واقعياً: «أنا لا أعيش في دنيا الخيال ولا أعزل نفسي لأجد الإلهام. عملي كلّه يدور حول المرأة، مصدر إلهامي الأول. عندما أنكبّ على مجموعة جديدة تواكبني ملهمة في رأسي وتحرّك قلمي، الأمر الذي يفرض واقعيّة معيّنة على خيالي. كي ينجح المصمّم، عليه ألا ينسى أنّ نتاجه يجب أن يعيش على الأجساد، لا أن يُعلّق في الخزانة. أريد أن يعطي الفستان جمالاً للمرأة، لا أن يكون فستاناً جميلاً تلبسه امرأة. في أحيانٍ كثيرة، تكون زوجتي ملهمتي أو ممثلة شاهدتها في فيلم، أو امرأة لفتتني شخصيتها أو تصرّفاها. قد أتاثّر أحياناً بلوحة أو جداريّة فأحوّلها إلى مجموعة أيضاً، كجداريّة la chapelle Sixtine أو L›apparition لغوستاف مورو».
وأنت معه، تشعر بأنّ الرجل يلتقط كل ما حوله من خلال الحواس المتيقّظة باستمرار. يشبه الشاعر الذي يتمسك بلحظة الإلهام عند مرورها. تجده متمسّكاً بقلمه ولوحته الصغيرة، يخربش عليها بخط رفيع، آثار فكرة مرّت في رأسه أثناء الحديث.
وخلافاً للفكرة الذكوريّة السائدة، لا يرى إيلي صعب أن المرأة كائن معقد. لعلّها كائن حسّاس أوّلاً وأساساً، بل حسّاسة جداً، ولا تصبح معقدة إلا عندما تشعر بعدم قدرتها على التواصل مع الرجال. يضيف صعب: «أحترم في المرأة الأم والأخت والحبيبة، ولا أختصر منها أي جانب عندما أصمّم لها. أحبّها أن تكون جميلة، وأحتفي بأنوثتها، فأبرزها من خلال تصاميم لا تحدُّ من حريّتها في الحركة، لأنّ حركة المرأة جزء مهم من أنوثتها».
كان إيلي أوّل المصممين اللبنانيين والعرب في الوصول إلى العالميّة، ما جعله يكتسب لقب «عميد المصمّمين». في عام 1997، كان أوّل مصمّم غير إيطالي، يُدعى لعرض مجموعته في Camera Nazionale de la Moda، وفي عام 2000 نجح في اختراق عاصمة الموضة الأصعب... باريس.
وإن كان فوز الممثلة الأميركيّة هالي بيري بالأوسكار عام 2002 مرتديةً أحد فساتينه مثّل نقطة مهمّة في حياته المهنيّة، إلا أنّه يعتبر ذلك النجاح الجزء الظاهر من جبل الجليد. «هالي بيري ما كانت ارتدت من تصاميمي لو لم أكن حاضراً في الولايات المتحدة منذ ستّ سنوات». قد لا يكون فستان بيري الخمري مثّل نقطة تحوّل في مسيرته، لكنه جعل اسم إيلي صعب يرتبط بالحظ على بساط هوليوود الأحمر، وأصبح منذ ذلك الوقت يزيّن نجماته بتصاميمه، منهنّ بيونسي ودرو باريمور وأنجلينا جولي...
بعيداً عن هوليوود، يترك صعب فسحة مهمّة من حياته للحياة العائليّة التي وضع أساساتها في سن مبكرة. تزوّج من رفيقة دربه كلودين عام 1990، وهو في الخامسة والعشرين، ولديه اليوم ثلاثة صبيان. تعيش عائلته في منزله في جنيف، بينما يتنقّل هو بين بيروت وباريس وجنيف ونيويورك.
نفهمه أكثر، ونستعيد إبداعاته، حين يتكلّم عن أقرب الحقبات إلى نفسه ومزاجه: «أعزّ حقبة على قلبي هي حقبة الستينيات، وأعود إليها بطريقة ما في تصاميمي. في تلك الحقبة كان كل شيء ما زال يحتفظ بقيمته».
يختصر صعب أسلوبه بكلمتي «البساطة والرقيّ»، عبارة تصف عمله وتنسحب أيضاً على الأماكن التي يعيش فيها ويحبّها. هذا ما جذب شركة «تطوير» العضوة في «دبي القابضة» إلى توقيع اتفاقية شراكة معه لتصميم الديكور الداخلي لفندق فاخر في مشروع «ذي تايجر وودز دبي»، وسيحمل اسم «إيلي صعب». الفندق الذي تبلغ قيمته 600 مليون درهم، هو أول فندق من تصميمه، لكنّه لن يكون الأخير. إذ يسعى إلى تنفيذ سلسلة من الفنادق في الشرق الأوسط قد يكون أحدها في بيروت، إلا أنّ الأزمة الاقتصاديّة سبّبت تأخير هذه المشاريع.
كان إيلي صعب قد وسّع مروحة شغله على تصاميم خارج نطاق الأزياء، عندما صمّم في عام 2003 داخل سيارة «بي. أم. دبليو» من نوع «إكس فايف» في تشكيلة «إيلي صعب الحصرية» المؤلفة من مئة سيارة. لا يرى صعب أنّ هناك فرقاً جوهرياً بين تصميم الأزياء وتصميم داخل السيارة أو الفندق: «الأساس هو القدرة على الابتكار، والتعامل مع كل شيء حسب خصوصيته. لا أومن بالتغيير فقط للتغيير، أو حتى الابتكار من دون هدف، بل أجد أنّ الفرق يكمن في التفاصيل. باختصار الابتكار هو حياتي وحبّ الناس لفنّي هو تأكيد على أنني على السكّة الصحيحة... وما زال أمامي الكثير».


5 تواريخ

1964
الولادة في بيروت

1982
افتتح في الثامنة عشرة أول مشغل له في بيروت ضمّ 15 عاملاً

1997
أول مصمم غير إيطالي، يُدعى لعرض مجموعته في Camera Nazionale de la Moda، وعام 2000 نجح في اختراق عاصمة الموضة باريس.

2005
افتتح «دار إيلي صعب للأزياء» في وسط بيروت

2009
يعمل على تصميم الديكور الداخلي لفندق فاخر سيحمل اسمه ضمن مشروع «ذي تايجر وودز دبي»