عمر نشّابةأربعة أعوام مضت على مجلس نواب شكا عدد لا يستهان به من اللبنانيين من ضعف تمثيله. أربعة أعوام لتكرار ما يمكن أن نسمّيه نقاشاً حاداً أدى أحياناً إلى خروج عن الأخلاق وانتقل أحياناً أخرى إلى اشتباك في الشارع. أربعة أعوام من التشكيك وتشكيك في التشكيك. أربعة أعوام من هدير أصوات الزعماء خلف المتاريس. أربعة أعوام من القنص والقنص المضاد عبر شاشات التلفزيون أو من خلف الصحف. أربعة أعوام مضت مقابل يوم واحد طويل وصلت خلاله أصوات الناس إلى قبة البرلمان من خلف العازل.
لكن التغيير الذي وُعد البعض به لم يأت، باعتراف حتى فائز الخاسرين وخاسر الفائزين. لكن ثمّة سؤال يحيّر المراقبين: هل يستمرّ التراشق بالكلمات والأدوات والنار والحديد، أم تنمو في زاوية الجدار نبتة خضراء؟ وردة صفراء؟ حمراء؟ زرقاء؟ وردة يكاد الجدار يخنقها بضخامته، غير أن جذورها تمتدّ فيه كالشرايين. وتنمو النبتة لتصبح يوماً شجرة ينهش من جذورها في الجدار الكره والغضب والتمييز العنصري المذهبي الطائفي المناطقي الفئوي.
التغيير النيابي لم يأتِ. وتلاعُب أصحاب النيابة بالناس أيضاً لم يتغيّر. هنيئاً للنواب بناخبيهم. جَدَّدوا لصاحب أو منتحل صفة جيل الحرب أربع سنوات ستنمو فيها أجيال تحضن ذكريات دموية أليمة لا فرق بين الصحيح منها ونسج الخيال. ويرجو ذوو المخطوفين والمفقودين منهم أن لا تُصنع من الذكرى آلام جديدة. يبتسمون، إذ إن صور أمراء الحرب نقلت بعضهم من الحضانة إلى المجلس التشريعي. (ما الفرق؟ أولاد يتراشقون بالألفاظ النابية وأستاذ ـــــ أيضاً من أمراء الحرب ـــــ يهدّد بالمطرقة).
أربعة أعوام مضت في صندوق الاقتراع، وأربع سنوات قد تترشّح للمصير نفسه. لكن تلك الفجوة الصغيرة التي حضنت النبتة في زاوية الجدار توسّعت. وتمدّدت منها تشقّقات هدّدت كيانه الغاصب. التفّت الشرايين حول الحجارة وانقلب المشهد. لكن الحجر لا ينمو في عنق الشجرة، ولا يمرضها أو يقتلها، بل يصبح جزءاً منها ينبغي التعامل معه والتسليم به.