بنت جبيل ـــ داني الأمينرغم الفوز الساحق ونسبة التصويت المرتفعة في دائرتي بنت جبيل ومرجعيون، وإجماع أهالي القرى والبلدات الحدودية على خيار المقاومة، فإن ما علق في ذهن الناس هناك هو أهمية عودة نازحي المنطقة والمهاجرين منها إليها ولو لوهلة، وحجم الفائدة الاقتصادية والاجتماعية من وراء ذلك. فقد امتلأت أحياء القرى والبلدات بأهاليها الذين هجروها لأسباب اقتصادية في الغالب، لتعود مظاهر الحياة التي فقدت منذ عشرات السنين في موسم الانتخابات، وخصوصاً في المنطقة التي كانت تسمّى قبل التحرير «الحزام الأمني». هكذا بدت قرى كالعديسة وطلوسة ومركبا وربّ ثلاثين والطيبة ودير سريان (في قضاء مرجعيون) وبلدات بنت جبيل وعيناتا وعيترون وحانين (في قضاء بنت جبيل) كأنها بلدات تنبض بالحياة. أما أصحاب المحال التجارية والدكاكين والمصالح فقد تنفّسوا الصعداء، ولو لبضعة أيام ، بعد أن شهدوا حركة تجارية لا تشهدها إلا المدن، ما جعل الأهالي يتحسّسون، بالمقارنة، واقع الحرمان الذي يعيشونه في يومياتهم. ويقول محمد عطوي من بلدة مركبا «كانت الانتخابات مناسبة لتذكير الأهالي بواقعهم المزري وانعدام فرص العمل، والوقوف على أسباب ذلك، وخصوصاً في ظلّ عدم وجود أي معمل أو مصنع أو حتى مطعم في المنطقة بأكملها، ما يثير التساؤل من جديد عن دور الدولة ومؤسساتها في دعم أبناء القرى الحدودية ودعم صمودهم».
وقد شهدت تلك المنطقة، في الليلة التي سبقت يوم الاقتراع، زحمة سير خانقة لم تشهدها في زمن سابق، حتى في أيّام الأعياد والمناسبات المختلفة. فقد غصّت مدينة بنت جبيل بزوارها الآتين، لهذه المناسبة الانتخابية، من المدن التي هاجروا إليها، إن كان في لبنان أو خارجه. وحتى القرى الصغيرة كقرية طلّوسة وبني حيّان وحانين، التي اعتادت هدوءاً سلبيّاً قلّ نظيره في لبنان منذ سنوات الاحتلال حتى يومنا هذا، وتنعدم فيها تبعاً لذلك فرص العمل ويندر فيها وجود محال تجارية، حتى الصغيرة منها، اضطر المقيمون فيها، بسبب مناسبة الانتخابات، إلى أن يفتحوا مصالح مؤقتة، كما عمدوا إلى شراء حاجاتهم من القرى الأكبر حجماً. هذا النشاط الموسمي أعاد فتح جروح المنطقة الإنمائية، حتى إن البعض بدأ يتحدّث عن مشروع الليطاني الذي لم ينفّذ أيّ جزء منه حتى الآن، فيقول علي علّيق من بلدة الصوانة «لو عملت الحكومات السابقة على تنفيذ مشروع الليطاني، لما هاجر المزارعون، ولازدادت فرص العمل هنا، وبالتالي لصمد الآلاف من الجنوبيين في قراهم». ويرى بشير شامي، وهو من بنت جبيل، أنّ «الانتخابات ذكّرت الأهالي المقيمين بمدى حاجتهم إلى عودة أبنائهم إليهم من بلدان المهجر والمناطق التي نزحوا إليها ولم يستطيعوا العودة بسبب انعدام فرص العمل والمشاريع المنتجة، فلا يوجد هنا أي معمل أو مصنع، حتى معامل الأحذية التي كانت تشتهر بها المدينة تقلّصت كثيراً، بسبب منافسة البضائع الأجنبية»، منتقداً «عدم مساهمة المسؤولين في أي خطّة لإنقاذ من بقي من المقيمين، وعدم وجود أي توجيه للمغتربين الذين لا يبنون إلا العمارات والمنازل الكبيرة دون أن يدعموا إنشاء المشاريع المنتجة التي توفّر فرص العمل وتسهم في تحريك العجلة الاقتصادية في المنطقة».
اليوم، عاد الهدوء القاتل إلى تلك القرى، وعاد السكون إلى الأحياء والأزقّة العتيقة، فور ظهور نتائج أعلنت، عبر تجديدها للطاقم القديم، استمرار الوضع كما كان عليه لأربع سنوات جديدة. وتلقّى المغتربون «الإشارة» فسارعوا إلى العودة حيث كانوا، مع فقدان الأمل بتغيير وإصلاح وعدوا بقرب حصولهما.


هيك أحسن؟

مع أن التصويت كان بنسبة كبيرة استجابة لما طلبته المقاومة لجهة أن يكون بمثابة استفتاء شعبي عليها، ومع أن النتيجة كانت بهذا المعنى إيجابية جداً، إلا أن بعض المقيمين في منطقة بنت جبيل وقراها أعربوا من جهة أخرى عن قبولهم بما حصل من نتائج انتخابية لجهة التجديد للطاقم الموالي للغرب. وفي تبرير ذلك يقول علي قوصان من بلدة عيترون مثلاً «يللا يا عمي هيك أحسن». أما السبب؟ فـ«خوفاً من زيادة الحصار علينا (كما هددت الولايات المتحدة الأميركية في تصريحات مبعوثيها) بدليل ما حصل مع الفلسطينيين عندما انتخبوا حركة حماس. ومع أن كل لجان المراقبة في العالم قالت إن حماس فازت في انتخابات نزيهة، إلا أن حصار الفلسطينيين الغربي بدأ ولا يزال مستمراً حتى اليوم».