محمد محسنمنذ أكثر من سبعين عاماً، دخلت الكعكة العصرية إلى ساحة المأكولات الشعبية. خرجت من أفران صغيرة وكبيرة، واعتلت قطعة قماش فوق رؤوس باعة، صغاراً وكباراً، وجالت معهم شوارع المدن وزواريبها. نزلت عن رؤوس الباعة، وركبت في خزائن مخصصة لها في الدراجات الهوائية والنارية. واستمرت الكعكة ذات اللون الأسمر بالتجوال، إلى أن بدأت تستقر في أفران كان الكعك فيها منتجاً ثانوياً. ومع مرور فترة طويلة، وصولاً إلى السنوات الأخيرة الماضية، أصبح للكعك العصري أفرانه الخاصة، وبدأت الكعكة بمنافسة منتوجات أخرى على مستوى المعجنات، وخصوصاً المناقيش، إن من جهة السعر، أو من جهة الطعم وإمكانية تنويع الحشوة. لكن هذا الترويج السريع، لا يطمئن، إذ إن الانتشار العشوائي لأفران الكعكة العصرية، وضع الكعكة في دائرة الغش، عبر تغيير «العجنة». تغييرات لا يستطيع الزبون نبشها، وخصوصاً حين تغريه بطنها المنتفخة وهي تخرج من الفرن، وطراوتها التي تدغدغ معدته المستعدة دائماً.
لكنّ لخبراء الكعك وصانعيه رأياً مغايراً لما يمكن أن يحكم به الزبائن. لن تحتاج للتدقيق في شهادة «أبو حسن»، عجّان الكعك العصري وبائعه منذ نعومة أظفاره. ما زال الرجل يعمل في أحد أشهر أفران الكعك في بيروت. ينطلق الرجل السبعيني من خبرته، للحكم على عجينة الكعكة المنتجة حالياً، بالسقوط أمام العجينة التي كانت موجودة في العقود الماضية. بقيت العجينة على شكلها القديم نفسه، لكن الذي تغير بحسب «أبو حسن» هو نوعية المواد المستعملة في العجنة. إذ كان البائعون سابقاً يخلطون أربعة أنواع من الطحين في العجنة الواحدة، فيما لا تكاد اليوم تميز بين عجينة الكعك العصري في كثير من الأماكن، وعجينة رغيف الخبز. فصانعو الكعك في هذه الأيام، يبخلون على كعكتهم بالعناية والاهتمام فقط بالبيع من دون النظر إلى الجودة. سابقاً، لم تكن حالة الطحين المستعمل في عجن الكعك، كحالته اليوم. إضافةً إلى ذلك، ثمة طحين يشد العجين وطحين من نوعية أخرى يرخيه ويفتته، ويشير أبو حسن إلى أن أفران اليوم «المعتدية على الكار» تستعمل الطحين الذي يتفتت وتزيد عليه كميات السكر لتخرج الكعكة طرية من الفرن العالي الحرارة.
كذلك فإن للطبشة دوراً مهماً في صناعة الكعك. هكذا، لا يزال أبو حسن يستعمل يديه لتطبيش الكعكة قبل إدخالها إلى الفرن، مشيراً إلى أن «تطبيش المكنات الكهربائية بينزع العجينة». إلى جانب الكعكة العصرية، ثمة أنواع أخرى لا يمكن تجاهلها، كالكعك بالتمر وكعك البريوش وغيرها، التي لا تختلف عن الكعكة العصرية في شيء. أنواع كعك يأكلها الأغنياء والفقراء، وهي التي تصلح لأن تؤكل في كل زمان ومكان.