عادت سمر الشعار من تخصصها مهندسة زراعية في فرنسا لتجد أن أحوال الزراعة قد تدهورت. فكل ما هو طبيعي اندثر، وصارت الأرض تفصيلاً ثانوياً يدور في فلك مراكز صناعة الأدوية والمبيدات. لم تخضع للواقع وبدأت بالعمل
روبير عبد الله
قررت سمر الشعار السباحة عكس التيار مهما كلّف الأمر، فاعتمدت نوعاً قديماً حديثاً، يسمى الزراعة العضوية. هو قديم لأن المزارعين التقليديين كانوا قد اعتمدوه من حيث لا يدرون، وحديث لأنه عاد ليصبح رائجاً اليوم. وتشرح سمر أن الزراعة العضوية بالمعنى الحديث هي تلك الخالية من جميع أنواع المبيدات الصناعية والكيماوية، والتي تهدف إلى المحافظة على التوازن البيئي وعلى الثروة النباتية والحيوانية، كما تهدف إلى إبعاد خطر التلوث عن المياه والهواء، وبالتالي تجنيب الناس خطر الإصابة بالأمراض، لا سيما السرطانات.
والمزارع العضوي، كما تشرح سمر، يستغل خصائص الطبيعة، فيترك الأفاعي لتأكل الفئران. والشامية (Coccinelle) تأكل المَن مثلاً. لذلك، وفي عملية استرجاع لهذا التوازن المفقود يلجأ المزارع العضوي إلى زراعة الحبق والشمرة والبقدونس بالقرب من المشاريع الزراعية لجذب «الشاميات» وغيرها من الحشرات «النافعة» التي تواجه تلك الضارة. وإذا كان الخلل البيئي مستفحلاً لدرجة الفقدان المطلق لتلك الحشرات في الأماكن المجاورة، يضطر المزارع إلى شراء بعضها، فعلى سبيل المثال يشتري أنبوباً يحتوي عشر شاميات فقط، ولكنه باهظ الثمن لأنه مستورد بالعادة.
واجهت سمر في بداية نشاطها في الزراعة العضوية مشاكل كثيرة. فكان من الصعب، بداية، العثور على أراض خالية من الترسبات الكيماوية. والجمعيات المعنية بتسويق المنتجات العضوية مثل «بيو كو أوب لبنان» (Biocoop Lubnan) لا تشتري تلك المنتجات إلا إذا كانت حائزة شهادة تصنيف من شركات محددة مثل شركة ليبانسرت (Libancert).
بعد خمس سنوات بدا عمل سمر في الزراعة العضوية واعداً، فقد صارت سمر متمكنة من مجمل العملية الإنتاجية: زراعة ومعالجة وتسويقاً. تمارس نشاطها الزراعي بيدها ويقف إلى جانبها والداها، المدرّسان. يساعدان ابنتهما بالتمويل، كما بالعمل اليدوي توفيراً لأجور العمال، لتبيع العائلة إنتاجها للبيو كو أوب وفق اتفاقية تحدد الكمية على أساسها. وإذا فاق الإنتاج الكم المتفق عليه، فمن حقها بيع الباقي في السوق المحلي وبالطبع بسعر يفوق السعر العادي لسائر المنتجات الزراعية. كما بسعر يفوق السعر الممنوح من التعاونية، فهذه الأخيرة تأخذ على سبيل المثال كلغ البندورة بـ750 ليرة لتبيعه بثلاثة آلاف ليرة. لكن سمر تبرر الفارق الكبير في الأسعار، بسبب الإجراءات المعقدة التي تعتمدها التعاونية للتأكد من توصيل منتج زراعي خال من المواد الكيماوية الضارة. لذلك ترى أنه من المستحسن تنشيط السوق المحلي من خلال مدّه بالمنتجات العضوية. وبنتيجة ذلك تتحقق أهداف عدة، أهمها تمكين المواطن من شراء المنتج بأسعار معقولة، وتوسيع قاعدة المزراعين العضويين، وبالتالي التحسن التدريجي لبيئة الزراعة العضوية. لأنه كلما ازدادت مساحات الأراضي المزروعة عضوياً، تراجعت الآفات الزراعية، وبالتالي قلت الحاجة إلى استخدام مبيدات عضوية عالية الكلفة. وهنا تشير سمر إلى أن استخدام المواد العضوية أقل كلفة على المدى البعيد، فالسماد الطبيعي كروث الحيوانات أقل كلفة من الأسمدة الكيماوية.
لكن السيد رشيد بوكدل من بلدة ببنين، الذي يعمل موظفاً في شركة «سلة الصحة» (Healthy Basket) يعاني مشاكل أكثر من سمر، إذ يشرح أن مشاريع الزراعة العضوية تنتج ما يعادل عشرين بالمئة من المشاريع الأخرى. ويعطي مثالاً على ذلك البيوت البلاستيكية. فالبيت الواحد في بلدة ببنين ينتج ما بين 3 و10 أطنان بندورة، بينما بالكاد ينتج نصف طن في حالة الزراعة العضوية. ويرى أحمد أن استخدام الأدوية العضوية مثل الذي «عم يضحك على حاله» إذ لا توقف هذه الأدوية الأمراض بل تخفف منها بعض الشيء. بدأ رشيد العمل بالزراعة العضوية في عام 2004، ويزرع اليوم حوالى 26 دونماً. وهنا يبدو أن العودة إلى الزراعة العضوية في مناطق ببنين وبرقايل وسهل عكار التي تعززت فيها كل أنواع الزراعات الحديثة ودخلها التصنيع من الباب الواسع، باتت أصعب بكثير مما هي الحال في مناطق الدريب التي تراجع فيها العمل الزراعي بالأساس، وبالتالي ازدادت فيها المساحات «البور»، التي كان من محاسنها تراجع نسبي في انتشار الأوبئة وفي الإخلال في التوازن البيئي.
إلى جانب سمر الشعار من بلدة عندقت ورشيد بوكدل من ببنين يعمل فقط في هذا المجال جزئياً أبو بشير من وادي الجاموس. أما ما خلا ذلك فالزارعة الحديثة سيدة الموقف في عكار، كما هي الحال في معظم الأراضي اللبنانية.