وائل عبد الفتاح


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

السيد ميتشل في المنطقة. يبحث عن خطوط اتصال. سمع كثيراً منذ ١٠٠ يوم. واليوم يقترح ويستخدم خبراته المجربة سلفاً للوصول إلى «صفقة» سلام. التغيّرات قليلة على جميع الأطراف. والتغيير المؤكد الوحيد هو قائد الأوركسترا التي من المفروض أن تعزف معزوفة السلام حسب تمنيات أوباما وفريق إدارته الحالم بتحقيق ضربات ناجحة. الشرق الأوسط أحد الملاعب المحتملة لضربة تثبت نجاح «التغيير» في البيت الأبيض. لكن العيب المزمن أن الشرق الأوسط يتركّز على قضية «محورية» فلسطين وحولها تصبح المزايا عيوباً والعكس صحيح.
الدافع الأميركي ليس كافياً إذن، وخصوصاً أن أسلوب «الاختيار» يكاد يصل إلى أسلوب «الإجبار» نفسه. التجمد عند النقطة الصفر. لا يزال العرب يراهنون بورقة التطبيع. يريدونها ورقة الضغط القوية في مقابل وقف سرطان الاستيطان. والحقيقة أنها ورقة للداخل أكثر منها ورقة في سوق التفاوضات. ورقة توت تداري عورات أنظمة وتحافظ على متانة جدارها الأخلاقي الذي تختفي به من أجندة الإصلاح والفساد. أنظمة قوتها في التحجر لا في الحيوية. شيخوختها تبث الوهن الذي لا يفوت على عين الخبير.
تدخل الأطراف العربية موجة «التحريك» الثالثة (الأولى بعد حرب تشرين ١٩٧٣ والثانية أوسلو وما بعدها)، وهي في مرحلة «خطوة إلى الأمام وعشر إلى الخلف».
يسافر الرئيس مبارك إلى واشنطن بعد أسابيع وفي حقيبته ملفات متعددة، أهمها ترتيبات الخلافة ونقل موقع مصر في خريطة الحلفاء من «المعونة» إلى «الشراكة». ينحشر ملف «القضية» وسط تعقيدات الملفات ويرتبط وجود مشروع مؤتمر السلام بمزاج المفاوضات بشأن «خليفة» مبارك.
«حماس» تسير على طريق سريع لا تدرك تماماًَ نهايته. تخطط لإمارة إسلامية في غزة. وتهاجم إدارة مصر لمفاوضاتها مع «فتح». وتمارس مراهقة سلطوية بمنع نواب «فتح» من حضور مؤتمر الحركة.
«فتح» تتخبّط في توابع قنبلة القدومي التي تعني شيئاً في الخلفية وهو أن «الاعتدال الفلسطيني» يقوده «قتلة عرفات» بجناحيه (الموظف الحكيم أبو مازن والرجل الغامض دحلان). هذه الأطراف المؤثّرة تنتظر تحركات ميتشل لفتح طريق التفاوض الجديد مع دمشق.
دمشق هي العنصر الجديد الذي قد يحرك المعادلة الراكدة. فالأطراف الأخرى لا تتحرك. تناطُح ثنائي بين منظمتين. وصراع على مكانة مصر (التاريخية والسياسية والجغرافية) في إدارة الحل.
لكن لا حل من خارج المواقع المتصلبة. لا تفكير في توسيع المفاوضات الفلسطينية ـــــ الفلسطينية لتشمل الأطراف المبعدة والمهجورة.
الملف يدار بمنطق «إنهاء القضية» أي الخروج من «ممر طويل» لمجرد الخروج. وبفعل «الملل» لا لإعادة الحق. الأطراف المشتركة في الملف مرتاحة إلى استمرار الأوضاع كما هي. كلها مستفيدة، من إسرائيل إلى «حماس» ومن مصر إلى «فتح»، مروراً طبعاً بأطراف إقليمية أخرى تحرّك الأوضاع من خلف ستائر الماريونيت السوداء.
هذا مبرر لانتظار حدث كبير يحلحل القضية من منطقة اللاحرب واللاسلم إلى منطقة أخرى.
حرب جديدة؟ أم مؤتمر سلام يبعد «حماس»؟
الحرب توقّعها حزب الله في لبنان. والمؤتمر لم تقل البشائر الأولى إنه سيقبل بوجود «حماس» من دون اعتراف بإسرائيل. الاستبعاد يعني ضياع أمل «حماس» في الجمع بين أكثر من حسنة (السلطة والمقاومة وإنهاء فتح وقيادة الشعب الفلسطيني في لحظة تصاعد رغبة الحل).
ستفقد «حماس» شهيتها للحركة بين طرفين، وستوضع في مأزق طريقها الغامض إلى العزلة (ربما الانتحار) وخاصةً مع عدم وضوح الرؤية في المسار السوري.
هذه التحركات تعتمد على استفزاز العناصر التي دخلت المعادلة في ما بعد أوسلو (حزب الله وحماس) ومحاولة إخراجهما والعودة إلى المعادلة القديمة، حتى ولو ببعض التغييرات الطفيفة.
على الخطى نفسها فإن قبول حزب الله وحماس بقواعد اللعبة الجديدة هو التغيير الذي قد تتسارع بعده الحركة الثالثة للحلحلة السلام.
الأطراف كلها تفتقد الأوراق والرؤى. تذهب إلى مشاريع وتجلس إلى مندوبية بدون أفكار ولا مشاريع. فقط خبرات تكتيكية قد تقود إلى مصائد استراتيجية للقوى التي كانت تسمّى الممانعة وهي الآن تعيد صياغة وجودها الداخلي لكي لا تتفكّك أو تذوب.
أما الديناصورات، فهي في مرحلة ألم وجودي. تريد أن تحافظ على مقعدها على طاولة المفاوضات لكن صوت سعالها ووهن جسدها يحرجها ويجعلها عاجزة عن القيام بدور القيادة.
لا أفكار شابة ولا جديدة ولا وسط ذهبياً بين الضدين. الوسط من معادن أخرى أقل رداءة. ويتحكم في مصالح محضة (تأليف حكومات، تعزيز شراسة مالية، رغبة في ركوب موجات سياسية، طموحات شخصية بلا أصول في الواقع).
مصر تقود رغم كل شيء وتضع بصماتها من القاهرة إلى غزة، ومن الرياض إلى بيروت، ومن واشنطن إلى القاهرة. دائرة تشكو مصر فيها أحياناً وتستشرس أحياناً. لكن سر براعتها في القيادة هو خبرة طويلة في اللعب بورقة التوت.