رُفع الستار عن تسع جداريات في مدينة طرابلس، شكّلت مشاريع التخرج ماستر ـ2ـ لطلاب معهد الفنون الجميلة ـ الفرع الثالث ـ بحضور لجنة مشتركة من فنانين وأساتذة من كل الفروع لتقييم هذه الأعمال. إلا أنها أثارت ردود فعل مستنكرة من بعض الفعاليات في المدينةطرابلس ــ إيلي حنا
تأثرت أغلبية أعمال الطلاب بالأوضاع الأمنية التي عاشها لبنان في الآونة الأخيرة أو بالمدينة التي احتضنت أعمالهم. هبة درويش سمّت مشروعها «حنين إلى سلام مضى»، صوّرت فيه «الإنسان العربي الذي هجّر من منزله والذي لم يبقَ لديه سوى بِساطه». فيما حيّت أمل دورة شعلة الحرية التي يحميها الجيش الوطني من خلال عملها «شعلة الأمل»، مخلدة به الجنود الذين قضوا في متفجرة شارع المصارف. لم تبتعد زميلتهم هنى طوط عن هذه الفكرة، فمثّل مشروعها «للسلام»، تضافر الجهود المدنية مع العسكرية في سبيل الحفاظ على الأمن. وكانت للفيحاء حصتها في مشروع سلمى بدوي النجار، «طرابلس بين الأمس واليوم» الذي أرادت من خلاله تحقيق معادلة التشبثّ بالجذور والتطلع نحو الأمام، بينما حملت جدارية مصطفى عبيد صورة «المدينة القديمة». بعيداً عن شوارع المدينة، واءمت مادونا جبور بين مشروعها ومكان تنفيذه، فكان «عالم الطفولة» على جدار مدخل مدرسة «روضة الفيحاء»، فامتلأ عملها برسوم «وبأحلام طالما راودت الأطفال كالفيل على ظهر غيمة، بالإضافة إلى الشخصيات الكرتونية» كما تشرح.
وكانت الجدران التي نصبت في شوارع المدينة والتي ظلت فارغة بانتظار أعمال الطلاب قد أثارت موجة من ردود الفعل المستنكرة ضد نصبها في المساحات الخضراء القليلة الباقية في طرابلس. على هذا الصعيد، يقول عضو المجلس البلدي في طرابلس خالد تدمري إن المشروع لم يعرض على الأعضاء ولم تفلح محاولات وضعه على جدول أعمال الاجتماعات الدورية. وتساءل تدمري إن كانت الأعمال على جمالها تتناسب مع المدينة، مع الأخذ بعين الاعتبار إمكان قيام مشاريع أخرى أقل كلفة وأفضل للمدينة، منتقداً قيام جدار في «وسطية بين طريقين، لا في حديقة»، مضيفاً أن «نصب جدار هو مبدأ غير موجود في الفن». في المقابل، يروي مدير معهد الفنون الجميلة الدكتور علي العلي أن «أهم وأقدم الأساتذة في الكلية قد أشرفوا على إعداد المشاريع، وأن الطلاب متخصصون في الجداريات، ولديهم تجارب سابقة في هذا المجال»، لافتاً، في المقابل، إلى انتشار ملصقات إعلانات في شوارع المدينة هي أسوأ بعشرات المرات، ومشيراً كذلك إلى وجود رسوم على الجدران سبق أن نفذها تلامذة بعض المدارس من دون أن يعترض أحد على ذلك. في هذا السياق، رأى العلي مبالغة في انتقاد المشروع، وركّز على أهمية تطبيق «نظرية تداول الفن في الخارج».
نتيجة ذلك الجدل، شعر الطلاب كأنهم مستهدفون، وخصوصاً هنى طوط التي «حُمّلت مسؤولية زيتونة سمير قصير» بسبب نصب جداريتها في المكان الذي كانت قد نصبت فيه شجرة زيتون تكريماً له. رداً على ذلك، اتصلت طوط برئيس البلدية الذي طمأنها، مؤكداً لها أن الشجرة ماتت بعد عدة أشهر من نصبها «ولم تكن موجودة عند بدء المشروع». وعن «البركة» التي أخذ على طوط أن عملها قد حجبها عن الأنظار، علّقت الطالبة ساخرة «فلينظّفوها أولاً. لسنا هواة، عملي كلّفني نحو 4000 دولار، وقد أسهم في تجميل المدينة». من جهتها، تعتقد ريمي العلي صاحبة مشروع «الوجه الثقافي للبنان» أنه ما دامت هناك أعمال جديدة، فمن الطبيعي معارضتها، لكنها تفرض نفسها في النهاية. فيما تستغرب زميلتها ديانا عيروت الهجوم على زملائها وعليها بعد مجهود بذلوه لسنة كاملة. تجدر الإشارة إلى أن بين المشاركين في لجنة التحكيم الأستاذ عدنان الشيخ عثمان من جامعة دمشق، الذي أثنى على المستوى الاحترافي لأعمال الطلاب.

بلدية طرابلس أصبحت «مكسر عصا»
يشير رئيس الرابطة الثقافية أمين عويضة (الصورة) إلى أن بلدية طرابلس مستهدفة قبل انتخابات مجلسها وبعده، والحملة سوف تزداد عليها مع اقتراب الانتخابات، إذ من المتوقع «أن يتم انتقاد أي مشروع جديد تحاول تنفيذه، كما يحدث منذ سنتين». يضيف عويضة أن أعمال الطلاب «بانت على حقيقتها اللائقة والطبيعية بعد إنجازها، ولم تبقَ مجرد جدران كما صوّر لنا البعض في هجومهم عليها، ما يدلّ على خلفيات هجومهم التي تعدّ سياسية أكثر منها فنية». ورأى أن البعض يتعامل مع البلدية كأنها مكسر عصا ويحمّلها المسؤولية، بينما يغيب السياسيون عن الساحة. يؤكد عويضة أنه ليس بوارد الدفاع عن أحد، ويرحّب بالنقد، شرط أن يكون بناءً، لا يرمي إلى تقويض المشاريع من أساسها.