عمر نشابةقد تعود ذاكرة المتابعين إلى أيام 2005 الحزينة التي شهدت اتهامات بالخيانة والعمالة للذين نصحوا بعدم الدخول في زواريب الاتهام السياسي لمن اشتبه في ضلوعه في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل صدور الاتهام القضائي، حتى لا يضطرّ المتّهمون إلى الرجوع المحتمل عن أقوالهم. فالزاروب الضيق لا يسمح بالالتفافات السهلة، بينما تتعدّد خطوط السير وتتفاوت نسب السرعة على طريق المحكمة العريض الذي لا تخلو جوانبه من المخارج أو حتى الأوتوسترادات الفرعية.
انسحب البعض أخيراً من حلبة المصارعة بين العدالة والسياسية بحجّة معالجة ارتفاع ضغط الدمّ، واكتمل تأليف طاقم الإسعاف السياسي عبر تكليف خبير السلام مقرّراً وأحد روّاد التجربة الغربية في العراق رئيساً للمحققين.
فليس للمحكمة الدولية وكالة حصرية لتحقيق العدالة، وليس للضحايا دور حاسم في رسم خريطة طريق الاتهام والمقاضاة والمعاقبة. وقد تحوّل «لعبة الأمم»، التي أثارها نجل الشهيد كمال جنبلاط، حلبة المصارعة بين السياسة والعدل إلى مسرح مبارزة شكلية بين «ماتادور» المصالح السياسية الدولية والإقليمية وثور العدالة الأعمى.
وكم سيكون للحظة رفع الماتادور قبعته السوداء، وسط هتافات الجماهير، تمهيداً لطعن رأس الثور المنهك رمزية لبعض اللبنانيين، وسط ارتفاع تصفيق بعضهم الآخر وهتافاتهم الآذارية.
لم يدرك هؤلاء يومها، وقد لا يدركون اليوم، أنه مشهد ياباني قديم يرفع خلاله الساموراي سيفه عالياً تمهيداً لطعن الذات.
قد تعود ذاكرة المتابعين إلى أبرز ما شهدته الأشهر الأولى التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لم يكن اتهام نجل الشهيد وحلفائه سوريا بارتكاب الجريمة أول ما يخطر في البال. بل خلاصة تقرير لجنة تقصّي الحقائق برئاسة الإيرلندي بيتر فيتزجيرالد والتي تضمّنت نقطتين أساسيتين:
أولاً أن الاستخبارات العسكرية السورية والأجهزة الأمنية اللبنانية «أسهمت في إشاعة ثقافة التخويف والإفلات من العقوبة».
ثانياً اتضح للبعثة «أن عملية التحقيق اللبنانية تعاني من عيوب جسيمة. وبغض النظر عما إذا كان مردّ ذلك إلى انعدام القدرة أو الالتزام، فإنه من غير المحتمل أن تصل هذه العملية إلى نتيجة مقنعة. فضلاً عن ذلك، فإن صدقية السلطات اللبنانية التي تُجري التحقيق محل شك لدى عدد كبير من اللبنانيين، في المعارضة وفي الحكومة على السواء».
ألا تنطبق الفقرة الأخيرة على عملية التحقيق الدولية؟ لننتظر شفاء بلمار وعودته من الإجازة لنجيب عن ذلك.