عقد في رام الله مؤتمر مجلس الآثار العالمي لتقديم الدعم لتاريخ فلسطين وآثارها ومساعدة علماء الآثار الفسطينيين لكسر العزلة التي يعيشونها بسبب الاحتلال. المؤتمر الذي شارك فيه أكثر من 100 عالم كان عرضة لحملات هجومية واسعة من قبل السلطات الإسرائيلية
رام الله ـ الأخبار
فيما اهتمت وسائل الإعلام بمجريات المؤتمر السادس لحركة فتح الذي عقدته مطلع هذا الشهر في مدينة بيت لحم، كان هناك مؤتمر آخر، يعقد في مدينة رام الله، حُرم من التغطية الإعلامية، رغم أن من المفترض أن يشكل حدثاً مهماً بالنسبة إلى الفلسطينيين. هذا المؤتمر نظّمه مجلس الآثار العالمي وللمرّة الأولى في منطقة الشرق الأوسط، بمشاركة نحو ستين عالماً من عشرين دولة. وعلى الرغم من أن المؤتمر حمل عنوان «مواجهة العنف البنيوي» إلا أنه تعرض لحملات هجومية واسعة من قبل السلطات الإسرائيلية. حملات شملت المنظّمين والمشاركين على حد سواء. فخلال الجولات الميدانية للمشاركين في كلّ من أريحا والقدس ونابلس بهدف الاطلاع على حقيقة الأوضاع الميدانية، نال العلماء حصة كبيرة دسمة من الاستفزاز. ففي البلدة القديمة ومنطقة سلوان التي تعتبرها سلطات الاحتلال «مدينة داود» وتجري فيها عمليات حفريات وتهويد مستمرة على مدار الساعة، اقترب منهم إسرائيلي ادّعى أنه صحافي وأخذ بالتقاط صور مقربة للوجوه وبشكل فردي استفزازي، من دون إعطاء أي تفسير عن وجهة استعماله تلك الصور.
وهاجمت سلطة الآثار الإسرائيلية المؤتمر والمشاركين فيه الرافضين للتطبيع. واتهمت مجلس الآثار العالمي، باستبعاد علماء الآثار الإسرائيليين، بالرغم من أن المؤتمر كان مفتوحاً لمشاركة الجميع وأعلن عنه على موقع الإنترنت منذ نحو السنة، وشارك فيه رافي غرينبرغ، وهو عالم آثار إسرائيلي مناهض للاحتلال، ومعروف بموقفه النقدي للسياسة الأثرية الإسرائيلية.
السلطة الفلسطينية تلقت نصيبها من النقد اللاذع من المشاركين
احتجت سلطة الآثار الإسرائيلية لأنها، كما قالت، لم تُدع، بالرغم من أن المؤتمر سيناقش بعض القضايا، مثل الحفريات الأثرية في القدس، والتي تشرف عليها هي، متناسية أن هذه الحفريات تعتبر وفقاً للقانون الدولي غير شرعية، كونها تجرى في أرض محتلة. وقالت السلطة، في بيان أصدرته، إن «الطريقة التي تم فيها عقد المؤتمر وسير أعماله هما باب لإدخال الصراع في الجانب المهني لعلم الآثار. وأكدت السلطة الإسرائيلية أن التنقيبات التي تنظمها في المواقع الأثرية تتم وفقاً للقانون الإسرائيلي، مكرّرة أنها تحافظ على «أعلى المعايير المهنية وفقاً لقواعد صارمة ودون تحيز».
وقد وجّه عوزي دهاري نائب رئيس سلطة الآثار الإسرائيلية، رسالة شديدة اللهجة إلى الدكتورة كلير سميث رئيسة مجلس الآثار العالمي وأعضاء اللجنة الدولية والمحلية للمؤتمر، ندد فيها بما سماه استثناء علماء الآثار الإسرائيليين من المشاركة وتسييس أعمال المؤتمر. وقال في رسالته إن «مجلس الآثار العالمي اختار أن يعقد مؤتمره في منطقة تشهد نزاعاً، وبشكل يجعل المؤتمرين يسمعون جانباً واحداً من الرواية. أضاف دهاري، متناسياً أنه يمثل سلطة الاحتلال: «من غير الأخلاقي، أن ينظّم محفل دولي جولة على المواقع الأثرية من دون علم علماء الآثار الذين نقّبوا في هذه المواقع».
وانتقد دهاري استخدام المؤتمرين للمصطلحات الفلسطينية، مثل تسمية الحرم القدسي الشريف بالحرم الشريف، بينما يسميه الإسرائيليون جبل الهيكل. وختم دهاري رسالته الغاضبة التي تحمل قدراً كبيراً من التعالي: «قد يكون من الأفضل لو ركز علماء الآثار في المؤتمر على علم الآثار، لا على السياسة».
وأتى الرد على رسالة دهاري على لسان وكيل مساعد قطاع الآثار والتراث الثقافي في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، الدكتور حمدان طه، الذي رأى أن «الرسالة تحمل العديد من الادّعاءات غير الصحيحة وغير المبررة. فالمؤتمر لم يكن رحلة لمدرسة داخلية لمجلس الآثار العالمي، بل شأنه شأن المؤتمرات الدولية بحيث إن الأعضاء المشاركين لا يختارون وإنما يأتون بقرارات فردية محض، كما إن المشاركة منوطة باستيفاء إجراءات التسجيل في المؤتمر وتقديم ملخصات البحث قبل شهور من عقد المؤتمر. وأكد كل من طه وسميث أنه لم يكن هناك أي عوائق من قبل الجهة المنظمة، وأبواب المؤتمر كانت مفتوحة أمام كل من يرغب في المشاركة ويتفق مع روح عمل مجلس الآثار العالمي وأهداف المؤتمر. وقال طه: «أما في خصوص الادعاء الإسرائيلي بتحويل المؤتمر إلى حدث فلسطيني فهذا ادعاء تدحضه الوقائع، إذ يجب الإشارة إلى أن السلطة الفلسطينية قد تلقت نصيبها من النقد اللاذع من المشاركين في المؤتمر. أضاف طه: «إن توجيه الاتهام إلى المؤتمر بتسييس أعماله هو ادعاء يفتقر إلى الدقة، وخصوصاً أن الاتهام يأتي من سلطة الآثار الإسرائيلية التي طالما نظر إليها الجميع كنموذج في توظيف علم الآثار لخدمة الأهداف الأيديولوجية الصهيونية والاستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية».
وأكد طه أن «فلسطين كبلد مضيف للمؤتمر قد رحبت بجميع المشاركين فيه، ولم تضع أي عوائق تحول دون مشاركة أحد مهما كانت جنسيته، وهي تكنّ الاحترام والتقدير لهذه المؤسسة الدولية، ومشاركة الأثريين الفلسطينيين في المؤتمر كانت كمشاركة نظرائهم الدوليين من دون أي ميزات
إضافية».
هنا، تجدر الإشارة إلى أن السلطات الإسرائيلية كانت قد رفضت إعطاء تأشيرات دخول إلى عدد من العلماء الذين طلبوا المشاركة، كذلك فإن السفر من رام الله وإليها كان شائكاً للغاية.


رفض التطبيع

يعدّ وصول 60 عالم آثار إلى رام الله للمشاركة في المؤتمر الذي نظّمه المجلس العالمي للآثار (World Archaeological Congress) إنجازاً مهماً جداً وخطوة عملية للأكاديميين الرافضين للتطبيع. وقال الدكتور حمدان طه وكيل مساعد قطاع الآثار والتراث الثقافي في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية لـ«لأخبار» إن العديد من المشاركين واجهوا صعوبات في دخول رام الله والأراضي الفلسطينية عموماً، «إذا تعرض البعض للاختيار ما بين الدخول إلى منطقة السلطة الفلسطينية أو داخل الأراضي المحتلة عام 1948، ولم يمنح البعض منهم التأشيرات أبداً لدخول الأراضي الفلسطينية. وتعرض البعض منهم للمضايقات على الحواجز».
افتتح المؤتمر رسمياً بكلمات من د. خلود دعيبس وزير السياحة والآثار، ود. كلير سميت رئيسة مجلس الآثار العالمي، تلا ذلك عدد كبير ومكثّف من الجلسات، قدم فيها العديد من الأوراق حول الأوضاع الراهنة والتحديات المستقبلية التي تواجه الآثار الفلسطينية على صعيد الحماية والإدارة والحفاظ على الآثار، من قبل خبراء فلسطينيين. وقدم علماء آثار أوراقاً مختلفة حول استخدامات علم الآثار في كل من جنوب أفريقيا والهند والبرتغال أثناء السيطرة الاستعمارية.
وناقش المؤتمرون مستقبل الآثار في فلسطين، بما في ذلك بعض الأفكار التي سبق طرحها في الماضي، حول آفاق الحل المستقبلي للصراع الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي وانعكاسه على الآثار، إلى جانب عرض تجارب جديدة لتطوير شبكة العلاقات بين طلاب علم الآثار في الجامعات المختلفة وفتح الحوار بين الطلاب الفلسطينيين والدوليين. وعلى هامش المؤتمر، نفذ المشاركون عملية تنظيف رمزية لموقع تل بلاطة (شكيم القديمة) في نابلس.
أخيراً، يعدّ مجلس الآثار العالمي أكبر تجمع لعلماء الآثار في العالم، ويضمّ في عضويته ما يزيد على 2600 عالم آثار، ويفخر بحياديته واستقلاله كونه يعتمد في تمويله على اشتراكات أعضائه ولا يخضع في قراراته لاعتبارات تمويلية.