نشطت السياحة الداخلية في هذا الصيف الذي ارتفع فيه كل شيء، من الحرارة إلى الأسعار، ما ساهم في لجوء اللبنانيين للسياحة الداخلية. من وجهات السائحين المفضلة «زيرة صيدا»
صيدا ــ خالد الغربي
«يللا ع الزيرة يا شباب زيرتنا زيرة/ وخلي المركب ترقص فينا» أغان وهتافات إعلانية راح يطلقها الريس أبو محمود سائق زورق «تاكسي القلعة» للنقل البحري، وهو يقل أكثر من عشرين راكباً من ميناء الصيادين في صيدا إلى الزيرة، اللفظ الشعبي لكلمة جزيرة، حرفت فيه الكلمة الأصلية بالتداول الشفوي. و«زيرة صيدا» باتت منذ بداية هذا الصيف مقصداً هاماً للمتنزهين والسابحين والسياح على حد سواء. من كانوا اليوم على متن «تاكسي القلعة»، أتوا من منطقة كسروان، وهم بذلك ينشطون السياحة الداخلية التي راجت هذا الصيف بين اللبنانيين بسبب ضيق ذات يدهم المتزايد وندرة مساحات اللهو والترفيه المجانية أو شبه المجانية. وكما يقال: يا رب ضارة نافعة. الدليل السياحي للزوار الكسروانيين كان قد نصحهم، كما قالت لـ«الأخبار» سيسيليا مسعد، بأن يتوّجوا زيارة صيدا بنزهة بحرية إلى زيرتها التي وجدتها سيسيليا «واو .. ولا أروع، بس مهملة».
منذ بداية الصيف وزيرة صيدا تشهد إقبالاً كثيفاً من المتنزهين والسياح ورواد السباحة الذين يأتونها إما للتعرف عليها كمعلم سياحي جديد، وإما للسباحة في مياهها النظيفة التي لا تعكرها أكياس النفايات والزبالة التي باتت تغزو معظم الشاطئ الصيداوي نتيجة للانهيارات المتكررة لمكب النفايات في المدينة، إذ يحمي الحاجز الصخري المحيط بالزيرة مياهها من أي تسلل للنفايات والأكياس، ما يجعل من تلك الفسحات بين الصخور حولها بركاً صافية يحلو القفز فيها.
وتبعد «زيرة» صيدا عن الشاطئ الصيداوي نحو الكيلومتر، وتمتد على طول مئات الأمتار وبعرض يتجاوز عشرات الأمتار، مشكلة كتلة صخرية منبسطة، تحيط بها مياه البحر من كل اتجاه، ويصلها قاصدها بواسطة «التاكسي البحري» وهو عبارة عن مراكب غير تلك المخصصة لأعمال الصيد، تقل الرواد في رحلة لا يتعدى وقتها دقائق معدودة، وبسعر لا يتجاوز الألفي ليرة للراكب الواحد تشمل الذهاب والإياب، أي أرخص من أجرة السرفيس.
محمد اليمن يواظب منذ فترة طويلة على السباحة هنا، ففي رأيه «إنه مكان آمن للسباحة لا نفايات ولا من يحزنون، السباحة في الزيرة بتعقد» كما يقول. ولمديح الزيرة والسباحة فيها وجه آخر لهذا الشاب الصيداوي، هو بالتحديد ذم السباحة على شاطئ صيدا وبالتحديد المسبح الشعبي الذي «احتلته أكياس النايلون ونفايات العبوات الفارغة وكل ما أفرغه المكب من أوساخ، جميعها كانت تشاركني السباحة وتعلق في أنحاء من جسمي» يقول اليمن، مشيراً إلى أن «فرحة الصيداويين بوجود زيرة رائعة الجمال ينغصها عدم الاهتمام بهذه البقعة الطبيعية وإمكانية تحويلها إلى مرفق سياحي بامتياز تقام عليه المطاعم والمقاهي والأنشطة السياحية والفنية ويستقطب السياح من كل حدب وصوب، وخصوصاً أنها لا تبعد كثيراً عن المدينة».
بعيداً عن تمنيات هذا الشاب الصيداوي بضرورة الاستفادة من موقع الزيرة، والذي يشاطره الرأي معظم من زاروها، فإن اللافت يتمثل في ذاك التجاهل التاريخي الرسمي أو على مستوى المبادرات الفردية، لموقع الزيرة وإمكانية تحويلها إلى مرفق سياحي. ويمكن الجزم بأن أية أفكار واقتراحات لم تقدم سابقاً لا إلى الوزارات المعنية ولا إلى البلدية ومجالسها المتعاقبة، باستثناء ما يتذكره بعض الصيداويين القدامى من اقتراح شفوي عابر قدمه وفد فرنسي زار مدينة صيدا قبل نصف قرن إلى محافظ الجنوب آنذاك غالب الترك، يقضي بضرورة الاستفادة من موقع الزيرة «الذي لو كان عندنا لحولناه إلى صناعة سياحية بامتياز» كما قال الوفد الفرنسي، وعلى ذمة الرواة.
السباحة ليست هدف قاصدي زيرة صيدا الوحيد، فهي أيضاً «للسهر عنوان» كما يقول أحد الصيداويين جمال رنو، الذي اعتاد السهر الليلي مع انسبائه هناك. ويقول الرجل «الزيرة ولا أروع خلال الليل، فمن هناك بإمكانك أن تشاهد صيدا تتلألأ بالأنوار، بينما النجوم فوقنا والمياه من أمامنا ومن خلفنا. بس المشكة أن الجهات المعنية لا تقدر أهمية هذا الموقع». و«أبو شريك»، كما يسميه أصدقاؤه، يكمن للسمك في الزيرة بشباك صغيرة، وما إن يصطادها حتى يبدأ بطهوها بواسطة صاج كبير من الحديد، سمك من البحر إلى المستهلك مباشرة بثمن بسيط «والسهرة وأكل السمك يمتدان حتى ساعات الصباح الأولى»، كما يقول، ولكن «مش برمضان»، يشير بإصبعه محذراً.