Strong>«تخضع السجون لسلطة وزير الداخلية» (المرسوم 14310)، لكن كيف يوفّق وزير يُعدّ من الناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان بين قمع سجناء متهوّرين، يُزرَبون في سجون لا تراعي المعايير الحقوقية، واحترام كرامتهم الإنسانية؟تمكنت قوى الأمن الداخلي، مساء أول من أمس، من استعادة سيطرتها على الطبقة الأولى من المبنى «ب» وتحرير مجنّد كان السجناء قد اتخذوه رهينة أثناء أعمال الشغب. وكان بعض السجناء قد أضرموا النار في فراشهم وانتزعوا مفاتيح البوابات الحديدية من المجند، في محاولة متهوّرة لإشعال تمرّد واسع في السجن.
يفترض أن تستحقّ مجموعة «الفهود»، التي تعدّ القوة الضاربة في قوى الأمن، التهنئة على الإنجاز الذي حققته بحيث لم يسقط قتلى وتمّت العملية بسرعة قياسية. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أن حوادث الشغب التي تكرّرت خلال الأشهر الماضية هي وليدة الوضع الشاذ للسجون، وبالتالي فمن المتوقع علمياً استمرارها لا بل اشتداد خطورتها.
بارود: الشغب في السجون سيقمع دائماً بيد من حديد
نجحت وزارة الداخلية وقوى الأمن بالسيطرة على السجون بعد كل حادث شغب، وقد يستمرّ نجاحها في السيطرة على الحوادث الآتية. غير أن ذلك سيتطلّب رفع نسبة اعتمادها القوّة والأساليب القمعية. فكما قد تتجه أعمال الشغب بمنحى تصاعدي، وكانت «الأخبار» قد أوردت ذلك في عددها الصادر في 2 شباط 2009 (تحت عنوان «السجون نحو الانفجار»)، كذلك ستتجه معها القبضة البوليسية الحديدية. وفي هذا الإطار، كانت لهجة وزير الداخليّة والبلديّات زياد بارود لافتة في حديثه إلى موقع «النشرة» الإخباري الإلكتروني، مساء أول من أمس، إذ صرّح أن «الشغب في السجون سيقمع دائماً بيد من حديد». ويستغرب البعض اعتماد بارود تلك النبرة العالية التي تتكرّر على لسان ضباط الأمن والاستخبارات، ويتجنّبها عادة المدافعون عن حقوق الإنسان. غير أن وزير الداخلية وجد نفسه في موقف دفعه إلى القيام بما لا يتناسب تماماً مع السلوكيات الحقوقية. فهو يحرص على منع خروج الأمور التي تتعلّق بالأمن عن السيطرة بالكامل مهما كلّف الأمر. ويبدو أن بارود وجد نفسه مضطرّاً لاعتماد منهجية تتلخّص بأن مسؤولية حماية حقوق الإنسان لا تقتصر على وزارة الداخلية فقط، وينبغي أن تتحقق تدريجاً، ولا يمكن تقديمها فجأة على الأمن.
وفي كلّ مرّة تحصل أعمال شغب في السجون، يتحمّس عدد من الضباط لقمع المشاغبين بالقوة وكأن وضع السجن يراعي حقوق نزلائه بالكامل. وتغفل عن هؤلاء الظروف غير الإنسانية وغير القانونية التي يعيشها بشر يعدّ معظمهم أبرياء حتى تثبت إدانتهم أمام المحكمة العادلة التي تؤمن لهم حقّ الدفاع المناسب.
مسؤولية بارود تشمل كل السجون التي تفتقر إدارتها العسكرية إلى أدنى مستوى الكفاءات المهنية بحسب المعايير الدولية، ويزرب فيها أكثر من ضعفي عدد استيعابها الأقصى، كما أن نظام السجون الحالي يفتقد منهجية علمية لفرز السجناء بحسب خصوصياتهم الجنائية والنفسية والعدلية. أضف إلى ذلك تدخلات نافذين من مؤسسات الدولة ومن خارجها لمصلحة «تحسين وضع» سجين أو مجموعة سجناء. إذ يتميز سجناء رومية بهرمية يتربع على قمّتها «شاويش» يتحكّم بحياة وبممتلكات السجناء «الخدم»، ويليهم الآخرون. بينما يشغل أسفل الهرم من يطلق عليهم «الدخول» أي الذين «ما إلهن حدا» لا واسطة ولا أهل في لبنان. وبالتالي، فإن معظم هؤلاء من الأجانب أو من أفقر الفقراء.
بارود «سيستمر ساعياً إلى تحسين وضع السجون، رغم عدم تجاوب مجلس الوزراء مع هذا الأمر، كما أشار موقع «النشرة» بعد اتصال أحد العاملين فيه بالوزير. إذ إن بارود كان قد نبّه مجلس الوزراء إلى مشاكل السجون وعرض خطة للمعالجة الفورية للحؤول دون تفاقمها في تقرير وزّع على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء. ووعد يومها الوزير بعقد جلسة لمجلس الوزراء تخصص لبحث أوضاع السجون، غير أن موعدها لم يعلن حتى اليوم. يشير ذلك إلى إهمال واضح لأوضاع أكثر من خمسة آلاف إنسان محجوزين في عهدة الدولة في أماكن مكتظّة تخالف خصوصياتها أدنى المعايير القانونية والحقوقية والإنسانية. وكان الوزير بارود قد كلّف المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي إجراء تحقيق في سجن رومية وسجن القبة بعد ورود معلومات صحافية عن تجاوزات للقانون ولحقوق الإنسان. وأحال التقرير إلى النيابة العامة التمييزية لاتخاذها الإجراءات القانونية المناسبة بحق المخالفين.
إن حلّ مشكلة تجاوز المعايير الحقوقية والقانونية في السجون ليس بسيطاً، إذ إنه يتطلّب إنشاء مؤسسة جديدة في الجمهورية اللبنانية تقتصر مسؤولياتها ومهامها على إدارة السجون. كما يتطلّب الحلّ بناء سجون جديدة تستوعب عدد السجناء في لبنان، بحيث يتمّ تخصيص المكان والمساحة المناسبة لكلّ سجين، كذلك ينبغي فصل الموقوفين عن المحكومين بالكامل. تعمل وزارتا الداخلية والعدل على تنفيذ المرسوم 17513 الذي يقضي بنقل مسؤولية إدارة السجون من الداخلية إلى العدل، وقد وضعت خطة لخمس سنوات لتنفيذ ذلك بمساعدة الأمم المتحدة. وهنا نسأل: هل سيستمرّ إهمال الحكومات الآتية لأوضاع السجون خلال الخمس سنوات المقبلة؟ وهل سيستطيع بارود أن يوفّق بين حقوق الإنسان وقمع الشغب إذا فرضت الظروف استخدام مزيد من القوة قد تؤدي إلى القتل؟
(الأخبار)


تكرار

وقعت أعمال شغب في سجن القبة في طرابلس يوم الاثنين ٢٦ كانون الثاني ٢٠٠٩، شارك فيها نحو 80 سجيناًً وتمكنوا من احتجاز اثنين من حراس السجن، وأضرموا النيران في بعض مقتنيات الزنازين، فضلاً عن دخولهم إلى صيدلية السجن حيث تمكنوا من الاستيلاء على الأدوية والحصول على قارورة غاز ومواد سريعة الاشتعال. طالب السجناء يومها بتحسين الأوضاع المزرية في السجن، من ناحية الطعام والعناية الطبية. ومساء الثلاثاء 10 آذار 2009، انتفض العشرات من نزلاء السجن المركزي على ضيق الهواء في زنازينهم وأضرموا النار في أمتعتهم. المحتجّون نزلاء نظارتين في «اللولب» الذي بُني عدد من غرفه في ستينيات القرن الماضي لتكون قاعات للمحاكمة تجنّب الموقوفين عناء النقل إلى بيروت والمناطق لنيل العدالة.


المطالبة بالحقوق عبر تشطيب الجسد

يعتمد بعض السجناء أسلوب تشطيب أجسادهم أو ابتلاع أدوات حادة أو إحراق أمتعتهم وفرشهم للتعبير عن سوء أوضاعهم والمطالبة بمعالجتها. فشطّب أحد السجناء نفسه يوم الجمعة 14 آذار بآلة حادة داخل مستشفى ضهر الباشق، الذي كان قد نقل إليه إثر إصابته برضوض خلال التمرد. وفي السجن ذاته، شرب سجين آخر مادة التنر، ما استدعى نقله إلى المستشفى لتلقّي العلاج. ويوم الاثنين 28 نيسان من العام الماضي، نُقِل نزيل في سجن أميون إلى مستشفى البرجي، إثر ابتلاعه 35 شفرة وملقط شعر محاولاً الانتحار. السجين كان قد نُقِل إلى سجن أميون يوم السبت الفائت من سجن رومية، لكونه أحد الذين تتهمهم إدارة السجن بقيادة تمرّد في مبنى المحكومين في رومية، وأخذ 7 عناصر من قوى الأمن الداخلي رهائن.