دينا حشمت
هيئته ليست هيئة زعيم، بل هيئة موظّف يحرّكه إحساسه بالواجب. والواجب حسب رؤيته هو إنهاء احتكار «عائلة مبارك» للحياة السياسية في مصر. في مسعاه هذا، تجده دقيقاً ومنظّماً؛ لا يمل البحث عن الدلائل وبناء حجج مصقولة بعناية.
هذا يجعل عبد الحليم قنديل خطيباً مختلفاً عن زملائه الناصريين. لا يحب أن يلعب دور طفل الجماهير المدلّل. يفضّل الدخول في صلب الموضوع مباشرة. يراهن على ذكاء جمهوره، فيكلمه بلغة الأرقام. يعرف كيف يستخدم الكلمات المناسبة في الوقت المناسب، كيف يختار الصيغ الجميلة وينتقل بلباقة من فكرة إلى أخرى. هل ساعده في ذلك كونه شاعراً؟ ربّما. لكنه لا يحب الحديث عن موهبته هذه. «كتبت ديواناً ولن أنشره»، يقول. قد لا تتوافق هذه الموهبة مع مسيرته كسياسي، ومناضل ناصري، وإن اعترف بأنه لم يتخيّل أنّ حياته ستتخذ يوماً هذا المسار.
في عائلته، انقسم إخوته وأخواته بين من درَس الطب ومن لم يدرسه. كانت دراسة الطب أشبه بقضية شرف للأب، الفلاح البسيط الذي كافح طوال حياته ليضمن لأولاده تربية جيدة. لم يناقش عبد الحليم رغبة أبويه، فنجح ببراعة ولم ينشغل كثيراً بالسياسة. لم يشارك حتى في أحداث يناير 1977، وليس لديه ما يحكيه عن «انتفاضة الخبز»، إلا تلك القصة التي تناقلها الطلبة آنذاك: قصة شاب وقف أمام السادات خلال لقاء بعد الأحداث مباشرة، ليعلن عن نفسه ناصرياً، فسأله السادات: «يعني إيه ناصري؟». كان ذلك الشاب هو حمدين صباحي الذي أصبح نائباً عن حزب «الكرامة».
بعد سنوات على أحداث يناير 1977، وخلال عامه الأخير في الجامعة، دخل قنديل «نادي الفكر الناصري» حيث كان حمدين نشطاً. هكذا بدأ زمن اللقاءات الأولى بين زعيم الحركة الطلابية الذي انتخب عاماً بعد آخر رئيساً لاتحاد الطلبة، وبين الطالب المثالي الذي حلم بأن يصبح شاعراً، وظل يشارك في المسابقات الأدبية. حمدين يعشق الجمهور والتظاهرات؛ عبد الحليم يفضّل الجلوس أمام الورقة والقلم. لكن مسيرتيهما متشابهتان: جاءا من الريف إلى المدينة وينتميان إلى الجيل نفسه، والتيار السياسي نفسه. هما ناصريا المعارضة، ومؤسسا «حركة الكرامة» المنشقة عن الحزب الناصري. ناضلا معاً في منظمات ناصرية راديكالية نشأت في المعارضة لأنور السادات، ووجدا نفسيهما في «طليعة التنظيم الناصري» السرية التي اعتقل عبد الحليم قنديل للمرة الأولى سنة 1980 بتهمة الانتماء إليها. ثم ناضلا حتى 1993 في وحدة الطليعة الناصرية «وطن» التي كوّنا معاً ثناءيها القيادي.
كيف أصبح عبد الحليم ناصرياً؟ بسبب قصة عاشها خلال عمله في مستوصف قرب «بلقاس» على حدود محافظتي الدقهلية وكفر الشيخ، في الدلتا. «الفلاحون كانوا يعيشون بلا ماء ولا كهرباء. رأيت على جدار أحد المنازل صورة لجمال عبد الناصر مقصوصة من جريدة. أدركت حينها أن عبد الناصر أوتوبيا الفقراء. صورته تعني المساواة، إمكانية الحصول على التعليم».
عمل عاماً في المستوصف، وعاماً آخر طبيباً متدرباً في مستشفى الساحل الجامعي في شبرا، لكنه لم يقتنع بمهنة الطب. موت الأب، سنة 1981، حرّره من وعده الضمني؛ وفي عام 1984 اختار الصحافة. كان هذا الحل الوسط بين حلمه الأول، بأن يصبح عالماً «بالنسبة إلي، كانت الكتابة عملية تطفلية. كنت أحلم بأن أصبح آينشتاين»... وحلمه الثاني بأن يصبح شاعراً. عمل كمراسل لجريدة «الخليج» ثم في مجلة «الموقف العربي» الشهرية. أغلقت الحكومة المجلة بسبب تنديدها بسياسة السلطة السعودية المساندة لإسرائيل، فوجد عبد الحليم نفسه من دون عمل. كتب عمود «هوامش» في «مصر الفتاة»، قبل أن يعمل في مركز الإعلام البديل (مركز صاعد): «المكان الذي ساعد على تكوين كل الصحافيين المقربين من الدوائر الناصرية».
عام 1993، شارك في تأسيس الحزب الناصري «العلني» وجريدته «العربي» التي تولى رئاسة تحريرها لاحقاً. سرعان ما تكوّن لعبد الحليم جمهور خاص. صفحات «العربي» شهدت بداية حملته ضد «العائلة المالكة». وفي 18 حزيران (يونيو) 2000، كتب مقالاً عبّر فيه عن معارضته الصريحة لتوريث السلطة لبشار الأسد في سوريا. لكنه لم ينس تأكيد احترامه لذاكرة حافظ الأسد الذي لم يوقّع أي اتفاقية مع إسرائيل، ولم يسلّم على رؤسائها. تصدى لـ«بلطجية الأحزاب»، وكرّر اعتراضه على أسس السياسة الساداتية وعبّر عن انبهاره بشخصية حسن نصر الله. لم يتردد في استخدام أعنف الألفاظ في حديثه عن صحافيي الإعلام الرسمي، أو رجال النظام مندّداً بتملّق أولئك وغرور هؤلاء.
ارتفعت حدة مقالاته، ورافقت ميلاد «كفاية»، «الحركة المصرية من أجل التغيير»، فانزعج رجال الأمن! وفي 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2004، أوقفه عدد من البلطجية وأوسعوه ضرباً، وأمروه بأن «يبطل الكلام عن الكبار»، ثم تركوه مجرداً من ملابسه على طريق صحراوية. هذا الحدث كان ميلاده الثاني: «لم أتوقّع أبداً موجة تضامن بهذا الحجم»، يحكي في مقدمة «ضد الرئيس» (ميريت ــــ 2005)، كتاب جمع مقالاته المنشورة في «العربي». انهالت عليه الدعوات من الفضائيات ومؤتمرات الاحتجاج والتظاهرات.
يقول عبد الحليم إن بعضهم تسرّع وأعلن موت «كفاية» لأنه لم يفهم ما هي طبيعة هذه الحركة: «هي شجعت مئات من المثقفين على أن يقولوا لا، وألهمت حركة القضاة في 2006». يرى أنها لا بد أن تبدأ بلعب دور فعّال من أجل بناء حركة تغيير منظّمة: «خطتنا هي العودة إلى الشارع وبناء ائتلاف المصريين من أجل التغيير». تعتبر انعقاد اجتماعات مشتركة مع «شباب 6 أبريل» خطوةً إيجابية في هذا الاتجاه، كما يقول.
«يقضي أغلب وقته في «كفاية»»: هكذا برّر رئيس مجلس إدارة «صوت الأمة» استبعاده من رئاسة تحرير الجريدة في 16 آذار (مارس) الماضي. أما هو فيرى أنّ هناك «هجمة أمنية»، و«ثأراً» شخصياً منه. ولهذا، استبعد من رئاسة تحرير جريدة «الكرامة» سنة 2007: «أبعدت من كل منابر التأثير. أمشي في طريق تنطفئ أعمدة نوره شيئاً فشيئاً». لكن هذا لن يمنعه، يقول، من أن يؤدي واجبه المقدّس: «إنهاء عصر العائلة الحاكمة في مصر».


5 تواريخ

1956
الولادة في الدقهلية (مصر)

1980
تخرّج من كلية الطب

2000
رئيس تحرير جريدة «العربي» الناصريّة

2007
استبعد من رئاسة تحرير «الكرامة»

2009
صدور كتابه «كارت أحمر للرئيس» عن «دار الثقافة الجديدة»