كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن جرائم مالية يتعرّض لها اللبنانيون والسائحون الأجانب. وفي هذا السياق، تركّز الشرطة حالياً على مكافحة قرصنة بطاقات الائتمان وسرقتها، وقد نجحت في توقيف أكثر من 12 مشتبهاً فيهم حتى الآن
أحمد محسن
لا فرق كبيراً بين الجرائم المالية وجرائم المعلوماتية. وفقاً لمسؤول أمني كبير، تتداخل «الجريمتان» غالباً. لكن، في الموسم السياحي، يكثر الحديث عن المال، وعن كل الجرائم المرتبطة بهِ. مما لا شك فيه أن عدداً كبيراً من السياح أتوا إلى لبنان حاملين بطاقات ائتمان مصرفية، وأن عدداً كبيراً من اللبنانيين يستفيدون من هذه الخدمة المصرفية المميزة. إلا أن هذه البطاقة، كأي وحدةٍ نقدية، معرّضة للسرقة، حتى وإن أُحيط استخدامها وتوجيهها بتدابير احترازية. سجلت الشرطة اللبنانية سرقة أعدادٍ من بطاقات الائتمان، إضافةً إلى أمرٍ أشد خطورة ألا وهو تقليد بطاقات الائتمان. لكنّ المسؤول الأمني ما يلبث أن يستدرك، فيُطمئن إلى أن وضع الجرائم المالية ليس مخيفاً في لبنان حتى الآن. وأشار المسؤول إلى أن عملية السرقة تحصل عبر طريقتين: الأولى هي سرقة البطاقة نفسها والحصول على رقمها السرّي من صاحبها بواسطة الاحتيال، أو بواسطة أجهزة سكانر متطوّرة تستطيع اكتشاف كل التفاصيل داخل «الشريط الأسود» في البطاقة. ولفت المسؤول إلى أن القراصنة لا يلجأون إلى سحب الأموال منها من مكانٍ واحد، وذلك بسبب وجود سقف محدّد للسحب النقدي اليومي، في كل مصرفٍ، ما يضطرهم إلى التنقل خلال فترة زمنية قليلة بين أكثر من صرّاف آلي، لسحب أكبر كمية ممكنة من الأموال. وفي هذا الإطار، التقطت الكاميرات المثبتة فوق الصرافات صوراً لعددٍ من المشتبه فيهم، وساعدت في القبض عليهم. أما عن القصة الثانية التي تفوق الطرق الكلاسيكية إثارةً، فقد أكد المسؤول الأمني أن بطليها شخصان أوقفتهما مفرزة بيروت القضائية. الأوّل درس المعلوماتية في بريطانيا، والثاني نادل في أحد المطاعم. خطط الأول لإعداد آلة القراءة ووضعها في سروال النادل العشريني، الذي استغل عمله في أحد مطاعم بيروت لينسخ أكبر قدر من البطاقات عبر الآلة، ثم ينقلها إلى أقراص مدمجة DVD، تمهيداً لاستنساخ بطاقات شبيهة بها، تستعمل في الوقت عينه مع الأصلية التي يعيدها النادل فوراً إلى صاحبها. أكد المسؤول الأمني أن البطاقة اكتشفت بعدما أبلغ أحد الزبائن أنه دفع مالاً عبر بطاقة ائتمانه في مطعمٍ لم يزره أصلاً، ما دفع الشرطة إلى التحرّي، بمساعدة المصرف، واكتشاف استنساخ بطاقة ائتمان الضحية.
بدأت المصارف توجه رسائل قصيرة إلى عملائها بناءً على طلب الشرطة
في إطار متّصل، علمت «الأخبار» من مسؤول أمني رفيع أن المصارف بدأت ترسل الرسائل القصيرة إلى الهواتف النقالة التي تخص المشتركين لديها، من مالكي بطاقات ائتمان، وذلك بناءً على طلبٍ خاص من الشرطة القضائية، بحيث يعلم كل مشترك الآن كمية المبلغ الذي يحصل عليه من حسابه، فور حصول أي عملية سحب من أحد الصرافات الآلية. وتالياً، من شأن ذلك أن يسهّل التحقيقات ويسرّعها، في حال الاشتباه في وقوع عملية سرقة. وللمناسبة، فإن بعضاً من سارقي البطاقات المصرفية رموا هذه البطاقات بعدما شعروا بالخوف من انكشاف أمرهم، لكنّ كاميرات المراقبة استطاعت أن تحفظ ملامحهم.
كانت شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي قد أعلنت يوم الأحد المنصرم، في بيانٍ لها، أنها أوقفت عدداً جديداً من المشتبه فيهم في ارتكاب جرائم قرصنة بطاقات الائتمان، وذلك على أثر شكوى مقدّمة من المواطنة ب. م. (43 عاماً)، قبل أسبوعين، ضد شخص مجهول، بجرم سرقة الرقم السري لبطاقة الائتمان العائدة إليها، وسحب أموال من حسابها الخاص. أجرى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية في وحدة الشرطة القضائية تحرياتٍ واستقصاءات مكثّفة، كما أكد البيان، فتمكّن من توقيف 8 أشخاص يُشتبه في أنهم يؤلّفون عصابة مختصة في هذا المجال. وتراوحت أعمار الموقوفين بين 20 و32 عاماً. ووفقاً لما تشير إليه التحقيقات الأوّلية مع الموقوفين، فإن هؤلاء اعترفوا بتأليف شبكة تسرق الأرقام السريّة لبطاقات ائتمان الزبائن، لدى شرائهم بضائع من المؤسسات والمحالّ التجارية ومحطات المحروقات، التي يعمل فيها بعض هؤلاء الأشخاص، عبر تسليمهم آلة لقراءة بطاقات الائتمان، وبعدها ينسخون هذه الأرقام ويطبعون بطاقات مشابهة لها، تبعاً للطريقة التي أشار إليها المسؤول الأمني. أما عن كيفية صرف الأموال، فقد تركّزت على شراء المشتبه فيهم للبضائع المختلفة من المحال التجارية، أو بيعها بسعرٍ أقل كلفة من المبلغ الذي تحويه فعلاً، وذلك للتخلّص منها. وفي الإطار نفسه، يمكن أن يكون بعض المتهمين أشد جرأةً، فيسحبون أموالاً من حسابات أصحاب البطاقات الأصلية، من الصرّاف الآلي (ATM). وقد ضُبطت آلة لقراءة بطاقات الائتمان، وأخرى لطباعتها، إضافةً إلى جهازي حاسوب، و10 بطاقات ائتمان مزوّرة. وكان لافتاً أنّ الشرطة القضائية ضبطت مع الموقوفين بتهم مالية ومعلوماتية، كميةً من حشيشة الكيف... والكوكايين.


88 بطاقة لكل ألف شخص

مثّلت حصة السحوبات النقدية بالليرة اللبنانية، بواسطة بطاقات الائتمان، 65.6 في المئة من إجمالي السحوبات في عام 2008، ما يدفع الاقتصاديين إلى الاعتقاد بأن هذه السحوبات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتوطين رواتب الأجراء والمستخدمين، أكثر من ارتباطها بنمو ثقافة مصرفية لدى المتعاملين مع المصارف. وإذا قورنت إحصاءات بطاقات الائتمان لبنانياً مع أرقام عالمية، ينبغي الإشارة إلى أن عدد بطاقات الائتمان في لبنان ما زال لا يذكر، بالنظر إلى أرقام الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، مثلاً، إذ يبلغ عدد بطاقات الائتمان في لبنان 88 بطاقة لكل ألف شخص، مقابل 350 بطاقة في بلجيكا، و570 بطاقة في سويسرا و590 بطاقة في إيطاليا و1140 في بريطانيا و4390 في الولايات المتحدة.


اللبناني لا يثق بالدفع الإلكتروني

لا يزال لبنان بلداً متخلّفاً في استخدام بطاقات الدفع والائتمان. فبحسب الإحصاءات الرسمية، وصل عدد البطاقات المتداولة إلى مليون و563 ألفاً و958 بطاقة في نهاية عام 2008، 65.1% منها هي من نوع بطاقات الدفع الفوري، علماً بأن توطين رواتب العاملين أسهم في ازدياد عدد هذا النوع من البطاقات. ويشير باحثون اقتصاديون إلى أن هذه البطاقات تستخدم في معظمها للسحب النقدي عبر أجهزة الصرّاف الآلي، أو على صناديق المصارف أكثر مما تستخدم لتسديد ثمن المشتريات. بلغت قيمة المدفوعات داخل لبنان بواسطة كل البطاقات حوالى 945 مليون دولار في عام 2008، مقارنة مع سحوبات داخل لبنان بقيمة 3933 مليون دولار في العام نفسه. وهذا يدلّ على أن اللبناني لا يزال يفضّل سحب الأموال بنفسه وتسديد ثمن مشترياته نقداً، تعبيراً عن عدم ثقته بنظام الدفع الإلكتروني.