حسام كنفاني


لإرسال رسالة الى المحرر، انقر هنا

ما سبق القمة السورية ــــ السعودية ولحقها من توقعات وأصداء قد يفوق أهميتها ودلالات انعقادها، ولا سيما أنها حُمّلت، قبل انعقادها، وزر حلول ملفات معقدة في المنطقة، لن تكون وحدها قادرة عليها. لبنان كان في مقدمة هذه الأوزار، وأهله كانوا السبّاقين إلى وضع قضية تأليف حكومته في سلّة القمة وانتظار ما قد يأتي من وراء الحدود. الأجواء الإيجابية في تأليف الحكومة اللبنانية، إلى الآن، توحي بأن أصداء الكلمات الودّية في لقاءي الملك عبد الله والرئيس بشار الأسد وصلت إلى مسامع أبطال «الثورات اللبنانيّة»، وبدأ التصرّف على أساسها، لتتوالى تعابير «بناء الثقة» و«تذليل العقبات» بين ليلة وضحاها.
الحال اللبنانيّة لا تنطبق إطلاقاً على ما هو قائم في فلسطين. ومن كان يعوّل على القمة السعودية ــــ السورية، أو معادلة «س ــ س» التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري، لرفد الجهود المصرية للمصالحة بين «فتح» و«حماس»، اكتشف كم هو مخطئ. فالقمة جاءت بنتائج عكسيّة على الساحة الفلسطينيّة، وعادت بالأوضاع إلى المربّع الأول.
واجهة الانتكاسة اسمها «تقرير غولدستون»، غير أن جوهرها مختلف وخاضع لاعتبارات عديدة بعيدة عن خطيئة محمود عبّاس في سحب تقرير المحقق الدولي من التصويت عليه في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
القمّة السعودية ــــ السوريّة جزء أساسي من هذه الاعتبارات، ولا سيما أن القاهرة لم تخفِ امتعاضها وقلقها من عملية التقارب بين الرياض ودمشق، واستبعادها عن أطرها، وحتى وإن وضع الأمير نايف بن عبد العزيز الرئيس المصري حسني مبارك في أجواء ما دار في خلالها.
القاهرة يعزّ عليها أداء دور هامشي في العملية الإقليمية، حتى وإن كانت الوقائع تؤكّد ابتعاد مصر عن مركز القرار الرئيس في المنطقة. وبالتالي هي ليست في وارد تلقي الإشارات الفلسطينية الصادرة عن القمة السورية ــــ السعوديّة وتنفيذها، وإن كان الكثير من الفلسطينيين على أتم الاستعداد لترجمة تقارب الرياض ودمشق في المصالحة. كما أن دمشق ليست في وارد تقديم هدايا مجانية إلى القاهرة، وتكريسها راعية احتكاريّة للملف الفلسطيني بتشعباته كلها، الداخلية والتفاوضية.
من الواضح أن المصالحة الفلسطينية غير مدرجة في معادلة «س ــــ س». هي تحتاج إلى معادلة مختلفة تماماً. معادلة يمكن تسميتها «س ــــ م»، تقوم على التقارب السوري المصري، وعودة واقع العلاقات بين الدولتين إلى سابق عهده. فحال انفراج العلاقات العربية، الذي تلى القمة الاقتصادية في الكويت، لم يصب القاهرة ودمشق إلا لماماً، على عكس الحاصل بين السعودية وسوريا. لقاءان يتيمان جمعا مبارك بالأسد منذ القمة إلى اليوم، الأول في الكويت والثاني في الرياض. إلا أنهما لم يدرجا في إطار لقاءات «تصفية القلوب»، ولا سيما أنهما كانا ضمن قمتين رباعية وخماسيّة، لم يتبادل خلالهما الرئيسان إلا كلمات عابرة.
غياب مثل هذا التقارب من المستحيل أن ينتج مصالحة فلسطينية، فـ«الهوى» المصري للسلطة معروف منذ عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، وتناغم «حماس» مع السياسة السورية لا يخفى على أحد، وبالتالي فانعدام التنسيق بين العاصمتين لا يمكن أن ينتج تفاهماً بين الأطراف التي تدور في فلكهما.
في ظل فشل تركيبة معادلة «س ــــ م»، يمكن فهم واقع التأزيم الفلسطيني المتتالي، والتفجير المتعمّد لتقرير غولدستون، سواء من السلطة أو «حماس». الطرفان غير راغبين في الذهاب إلى القاهرة للتوقيع، ما دامت الظروف الإقليمة والدولية لم تنضج بعد. ظروف إقليمية تأتي في مقدمتها العلاقات المتوترة بين مصر وسوريا. أما الدولية منها، فتتمثل في ما كشف أخيراً عن تحفّظ أميركي على صيغة المصالحة وتوقيتها.
تحفّظ يأتي متناقضاً مع التوجه الأميركي السابق تجاه الملف الفلسطيني الداخلي، وخصوصاً أن التسريع المصري لوتيرة المصالحة في البداية جاء بناءً على رغبة أميركية في ظل اندفاع باراك أوباما في ملف التسوية، وتوهمه بأن الطريق ستكون مفروشة بالورود، وهي بحاجة إلى وحدة فلسطينية قادرة على إمرار أي اتفاق مرتقب. غير أن اصطدام أوباما ومبعوثه جورج ميتشل بالشروط الإسرائيلية، التي أطاحت مواعيد استئناف المفاوضات، دفع الإدارة الأميركية إلى إعادة قراءة متأنية للوضع من جديد. إعادة قراءة يبدو أنها صرفت النظر عن فكرة الوحدة الفلسطينية، ما دامت الغاية منها لم تعد موجودة، وبالتالي فلا حاجة لإضفاء شرعيّة مجانيّة على حركة «حماس» وحكمها في قطاع غزّة.
كما أنه لا بد من التفريق بين مفهومي «المصالحة» و«إنهاء الانقسام». الأجواء الحالية والشتائم المتبادلة وفقدان الثقة والاختلاف في القراءات السياسيّة والتطبيق لا يمكن أن تولّد مصالحة، حتى وإن ذهب الأطراف إلى القاهرة للتوقيع. التوقيع من الممكن أن يكون على «إنهاء الانقسام»، وهو مفهوم إجرائي قد يسقط في أي لحظة، على غرار اتفاق مكة، الذي افتفد أيضاً لمعادلة «س ــــ م» الأساسيّة لتحقيق المصالحة بمفهومها الدائم.