أمس، عاد تلامذة المرحلة الابتدائية إلى مدارسهم الرسمية. هنا، في مدرسة رأس النبع الرسمية الثانية للبنات، تصدّر فيروس أنفلونزا «أيه أتش1 أن1» أحاديث اليوم الأول، وسط تطبيق التلميذات الصغيرات لتوصيات الأهل والأساتذة، فتجنّبن العناق واكتفين بإرسال قبلات بالهواء تعبيراً عن اشتياقهنّ لزميلاتهنّ بعد فراق الصيف
فاتن الحاج
تُبكر موناليزا أبو العينين (11سنة) في الوصول إلى مدرسة رأس النبع الرسمية الثانية للبنات. تبحث الفتاة بشغف في زوايا الملعب عن بنات صفها، السادس أساسي، أعلى صف في المدرسة. وعندما تيأس من العثور على رفيقاتها تُخرج من حقيبتها الجديدة كتاب القراءة العربية و«تفلفش» صفحاته مزجية الوقت بانتظار حضورهنّ. «كتير اشتقت لرفقاتي»، تقول: «شو حلو نرجع للدرس»، تهمس لفتاة من صف آخر جلست إلى جانبها على الدرج. تمرّ اللحظات سريعة قبل أن تطلّ آية الشيخ، إحدى رفيقات موناليزا، برأسها من بوابة الملعب. بعفوية، تقترب الفتاتان للمعانقة. ثم فجأة تتراجع موناليزا أمتاراً قليلة إلى الوراء وترسل إلى آية «بوسة عالهوا». «هيك أحسن من شان أنفلونزا الخنازير، بس أنا بحبّك كتير»، تقول الصغيرة. تسترسل الصغيرتان بالحديث «كالكبار»، فتقول آية التي يبدو أنها سمعت جيداً توصيات أهلها «معكِ حق. عم تقول الماما المرض كتير خطير، وخصوصاً بالنسبة إلى الصغار. بس لو صار شي مع رفقاتنا لازم نضلّ نحبهم متل الأول مش هيك؟». تدخل آية سنّو، صديقة ثالثة، على خطّ الحوار فتقول: «مزبوط، ما فينا نتخلى عن بعضنا، بس قالوا بالتلفزيون إنّو المرض بينتقل بالبوسة والنّفَس واللعاب، وإذا لمسنا حدا مريض أو أكلنا من ملعقة حدا». أما موناليزا، التي تتكلم بطريقة أكبر من عمرها، وتتزعّم على ما يبدو الشّلة، فعقّبت مطمئنة زميلاتها بعدما افترشن أرض الملعب: «ما تخافوا يا حلوين، اللي عندو مناعة قوية ما بيلقط المرض ولازم تحبّوا حالكن وتهتموا بنظافتكم». ثم تنفي خوفها من الإصابة «لأنّني أهتم كثيراً بنظافة جسدي وملابسي حتى قبل ما تطلعلنا هالأنفلونزا».
هكذا، يتصدّر فيروس أنفلونزا «أيه أتش1 أن1» أحاديث الفتيات بعد عودتهنّ إلى المدرسة، وإن كان البعض انصرف إلى الحديث عن مشاريع العطلة الصيفية. لكن السؤال الذي كان يشغل بال بعض التلميذات وأهاليهنّ الذين حضروا معهنّ ما إذا كنّ سيداومن دواماً عادياً في اليوم الأول للدراسة، فماذا لو كانت هناك إصابة؟
«اليوم دوام رسمي، وما في خروج قبل الساعة الثانية بعد الظهر»، تقول المديرة مريم البيطار حاسمة. يتأخر قرع جرس الصباح إلى الثامنة والثلث، أي بتأخير ثلث ساعة عن الموعد المعتاد. تصطفّ التلميذات في باحة المدرسة، مشدودات للاستماع إلى خطاب المديرة. تحيّي البيطار الفتيات وتتمنى «أن تكون السنة الجديدة حلوة وما تعذّبونا وتعذّبوا أهاليكم». يعلو التصفيق قبل أن تبلغ البيطار التلميذات بأنّ الهندام المدرسي تغيّر هذا العام من الكحلي القاتم إلى الأزرق «المفرفح»! ثم تطلق المديرة مجموعة من الممنوعات للحفاظ على النظام: «يا بنات ممنوع البنطلون تحت المريول، كل الألوان ممنوعة، الحجاب يجب أن يكون أزرق أو كحلي غامق، ما بقبل سكربينة بلا كلسات، الحذاء أسود أو كحلي، الإدارة ليست مسؤولة عن المجوهرات والفو بيجو، بدنا نكون كلنا متل بعضنا».
المرشدة الصحية رجاء شعلان بالطبع كانت حاضرة، تتنقّل بين التلميذات لإبلاغ تعليمات المدرسة بشأن فيروس «أنفلونزا الخنازير». بدا مفاجئاً تكرار عبارة: «أنّ المرض خطير جداً وبيخوّف، وإذا لم نحافظ على نظافتنا ونظافة ملابسنا ممكن نموت،

«إذا أصبنا بالأنفلونزا بياخدونا على غرفة العزل، بس ما منموت؟»
بيموّت الصغار أكتر شي!». فهل يبرر الخوف من استخفاف الفتيات بالتعليمات وعدم أخذهن القضية على محمل الجد كل هذا التهويل؟ شعلان تطلب من التلميذات «العدّ» إلى الرقم 15 عند غسل اليدين، وتجنّب شراء بطاطا «التشيبس»... «لأنّو الوضع خطير بهالإيام». ولا تنسى أن توصي بعدم الحضور حين تشعر الفتيات بعوارض المرض، ولا سيما الحرارة والسعال الناشف وآلام المفاصل وغيرها «حتى لو أصّرت أمهاتكن على إرسالكن إلى المدرسة». تتردد شعلان في الطلب إلى التلميذات إحضار مطهّر اليدين والمحارم المعطّرة وغيرها من الوقائيات، وتقول: «بس جيبوا معكن كلينكس، ما بدنا نكلفكن أكتر من هيك».
وفي القاعات الدراسية، خُصصت الدقائق العشرين الأولى من الحصة الأولى لإزالة الغموض عن بعض المعلومات. وبدا لافتاً كلام إحدى التلميذات في السادس أساسي عن غياب الوقاية في وسائل النقل المدرسي «فبعض الباصات صغيرة وما فيها شبابيك». كذلك سألت أخرى ما إذا كان تناول الفيتامين يحدّ من التقاطها للعدوى. وقالت تلميذة ثالثة: «بابا بترتفع حرارته كل يوم لأنّو بيشتغل بالمستشفى. ولما سألتو إذا عندو أنفلونزا قال لي ما خصّك». وعلّقت رفيقتها قائلةً: «أنا ما عندي حرارة، بس بعطس كتير. معقولي عندي حساسية؟». ويبدو أنّ كلام المرشدة أخاف غنى فسألت: «إذا أصبنا بالأنفلونزا بياخدونا على غرفة العزل. بس ما منموت مش هيك؟». فطمأنتها صديقتها دانيا كعكي «أنفلونزا الخنازير متل الكريب، بس قوي. وأنا صراحة مش خايفة إذا الله كاتبلنا عمر ما منموت».
وإذا كان القلق من الأنفلونزا سيطر على التلميذات في الصفوف «الكبيرة»، انشغلت الصغيرات في الأول والثاني ابتدائي بإظهار ما أحضرن معهنّ من المنزل من جل معقّم ومحارم معطّرة للتباهي أمام رفيقاتهنّ تارة، وللتفاعل العاطفي مع معلماتهنّ بهدف كسب ودّهن منذ اليوم الأول، تارة أخرى، من دون أن يبدو عليهنّ أنهنّ فهمن الغاية من حمل تلك المحارم، بما يتجاوز إغواء المعلمة ولفت انتباهها.