عمر نشّابةأطلق المدير العام لقوى الأمن الداخلي شرارة أشعلت أزمة المؤسسة التي كُلّف إدارتها عبر قراره معاقبة ضابط عدّه مخالفاً للقانون، بينما سكت عن مخالفات جسيمة ارتكبها ضباط آخرون.
حيال هذه الأزمة بدا جهل واضح، أو تجاهل مبطّن لمعطيات الوضع السياسي القائم في لبنان اليوم ـــــ لا غداً، كما يتوهّم البعض، أو أمس كما يتمنّى البعض الآخر.
فبعد جولة على مسؤولين سياسيّين وأمنيين، وبعد تدقيق في المعطيات والمعلومات المتوافرة تبيّن أن هناك عدداً من الأمور التي ربما فاتت مهندس أزمة قوى الأمن الأخيرة:
لا شكّ أن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تخضع إلى حدّ ما لنظام المحاصصة السياسية والطائفية والمذهبية، الذي اتُّفق عليه باعتباره تسوية للنزاعات الداخلية. وبالتالي لا مجال للتفرّد بالقرار، أو الاستئثار بالسلطة في مؤسسات الدولة الأمنية الرئيسية. المدير العام يعلم ذلك جيداً، وبالتالي فلا بدّ أنه كان قد توقّع تضامن العميدين المقرّبين من الأقلية النيابية مع زميلهم قائد وحدة الدرك الإقليمي.
ولا شكّ أن المدير العام يعرف جيداً أن أقطاب الأقلية النيابية لن يوافقوا على استبدال قائد الدرك الحالي بآخر محسوب على الأكثرية النيابية، أو متساهل معها، لا بل يؤكد البعض أن المدير العام الحالي «سيترحّم على قائد الدرك السابق إذا جرى استبداله»، إذ إن المرشّح الواقعي البديل مقرّب أكثر إلى الأقلية النيابية من القائد الحالي.
وهنا يُطرح احتمالان لدوافع إعادة تفجير أزمة قوى الأمن:
إما أن المدير العام ومن يدعم خطوته التفجيرية يفضّلان قائداً للدرك تابعاً بالكامل لجهة سياسية محدّدة، كما هي حال زملائه قادة الوحدات. ويكون بالتالي مفتاح إسكاته أو تحريكه بيد المرجع السياسي أو الطائفي أو المذهبي، الذي توافَق مرجع المدير معه على تقاسم السلطة. وإذا كان ذلك دقيقاً فيفترض المدير ومن يدعم تحرّكه أن وصول رئيس الحكومة الحالي إلى مركزه جاء بفضل انتصار تيّاره السياسي على الآخرين، وهو بالتالي ممسك باللعبة السياسية، ومتحكّم في القرار.
أو أن المدير ضاق ذرعاً بقائد الدرك، بعد توترات ميّزت العلاقة بينهما لسنين مضت، فقرّر التفجير من دون التفكير جيداً في النتيجة، إذ إن رئيس الحكومة الحالي يضمن له بقاءه في مركزه، لا بل قد يمنحه مركزاً أرفع مهما كانت تلك النتيجة. فالمدير «من أقرب المقربين» إلى رئيس الحكومة الحالي، ولا يخفى ذلك على أحد.
لكن ربما لم يشأ المدير، ومن يدعمه، التنبّه إلى اعتبار البعض الخطوة التي أقدم عليها بمثابة تحدّ واضح لرئيس الجمهورية، عبر تجاوز وزير الداخلية والبلديات المحسوب عليه، وذلك رغم تأكيد البعض أن المدير كان قد أبلغ الرئيس بالخطوة التي يعتزم اتخاذها.
لكن ربّما همس أحد الضباط في أذن المدير بأن هذه القضية يمكن أن تمرّ، على اعتبار أن وزير الداخلية لا يتمتّع بالقوّة اللازمة لإخضاع المؤسسات لسلطته، والدليل على ذلك، بحسب الضابط، سكوته عن تجاوزات جسيمة، كإنشاء شعبة في قوى الأمن من خارج القانون، وسيطرتها على سجن أيضاً من خارج القانون. ويفترض هذا التحليل أن الرئيس لا حصص له في السلطة، بل مجرّد مواقع توافقية تبتعد عن التصادم مع بعض مخالفي القانون، تجنّباً لاحتمائهم بجهة سياسية، واتهامهم الرئيس بالوقوف بوجه فريق على حساب آخر.
أو ربما ظنّ المدير بكلّ بساطة، أن الأمر سيمرّ من دون تحرّك قوى الأقلية النيابية تضامناً مع قائد الدرك.
على أي حال فإن من دفع ومن سيدفع الحصّة الأكبر من ثمن هذا الانفجار هو مؤسسة قوى الأمن الداخلي. ومن يحسب نفسه في موقع القوّة ... فلينظر من حوله قليلاً.