رامي زريقامتلأت صفحات الصحف اللبنانية في الأيام الأخيرة بأخبار الزراعة والغذاء. جاءت هذه الفورة نتيجة حدثين هامين، أحدهما عالمي والثاني محلي. فقد مثّلت قمة الغذاء التي أقيمت في روما الأسبوع الماضي، صلب الحدث العالمي، لأنها سلّطت الأضواء على عدد الجياع الذي تعدّى المليار عالمياً. أما الحدث المحلي، فكان الذعر الذي أصاب المواطنين من جراء «اكتشاف» رواسب مبيدات زراعية في الأغذية المنتجة محلياً. فهل من علاقة بين هاتين الحالتين؟ هل هناك رابط بين الإفراط في استعمال الكيميائيات الزراعية والجوع في العالم؟
يتفق معظم الخبراء على أن أحد الأسباب الرئيسية للجوع هو تدمير المنظومات الغذائية المحلية نتيجة تدفّق السلع الغذائية المدعومة من البلدان الغنية. وقد استطاعت هذه البلدان زيادة إنتاجها لما يفيض عن حاجتها من خلال تبنيها أنماطاً زراعية متطورة ترتكز على الاستعمال المكثف للبذور المهجنة والكيميائيات الزراعية وأساليب الري الحديثة. وقد أطلق على هذه الرزمة اسم «الثالوث التقني». وقد تخصصت الشركات المتعددة الجنسية في الإتجار بالمحاصيل الزراعية وبمستلزمات الإنتاج، محاصرة بذلك سوق الغذاء. فهناك أربع شركات عالمية تحتكر الإتجار بالسلع الغذائية الأساسية، وخمس شركات تحتكر بيع مستلزمات الزراعة الحديثة وإنتاجها. وقد دفعت سياسات غير حكيمة في البلدان النامية المزارعين إلى اعتناق النمط «الحديث» من الزراعة، الشديد الارتكاز على الثالوث التقني، في محاولة بائسة للتنافس مع الغذاء المدعوم. فخرج من لم يكن يستطيع الحصول على الثالوث وانضموا إلى فئة الجياع، أما الباقون، فأصبحوا رهينة في يد الشركات التي تشخّص الأمراض وتزوّدهم بأكبر كمية ممكنة من السموم، في ظل غياب تام لحكومات يقتصر حضورها على دعم التجار على حساب الفلاحين.