ريهام عزو اختفت قبل عامين، وكانت تبلغ 16 عاماً، اتُّهم خالها بإخفائها، فيما ادعى هو أنها تزوجت شاباً لا يعرف كامل هويته. أخيراً صدر حكم محكمة الاستئناف بتخفيف الحكم الصادر في حق الخال... فيما لا يزال مصير الفتاة مجهولاً
بيسان طي
“تبين أنه في هذا النهار، وبعدما تحادث المستأنِف مع ريهام، ذهبت هذه الأخيرة مع الشاب حسام، الذي بقي مجهول كامل الهويّة وتزوجته، بحسب ما قالت لوالدها في اتصال هاتفي”. ترد هذه الفقرة في قرار صادر عن محكمة استئناف جزاء بيروت. يحمل حسن عزو الملفّ، ترتجف يده، يتهدّج صوته. تدور عيناه في الفراغ، يسأل مجدّداً عن ابنته، يصرخ “كيف يبنون حكماً بأنها متزوجة ويجهلون كامل هوية الزوج!”.
في 7/7/2007، توجّهت ريهام ـــــ ابنة الـ16 ربيعاً حينها ـــــ إلى مدرسة خالد بن الوليد في محلة قصقص، للخضوع للامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة. التقت خالها بناء ً على موعد مسبّق، وبالخفاء عن والديها، اللذين رفضا أن تتواصل مع الخال، شاهدتهما صديقتها س. ح. وهما يتحادثان، لكن ريهام بدل أن تدخل إلى الثانوية غادرت مع خالها إلى مكان ما واختفت.
بعد مرور ساعات اتصلت الفتاة بوالدها، وقالت له إنها تزوجت شابّاً يُدعى حسام في طرابلس... ثم اختفت.
تبيّن أوراق التحقيق أن علاقة مميزة كانت تربط و.خ. بابنة شقيقته ريهام لفترة شهور فقط. هذه العلاقة أزعجت الأهل، فطلبوا من ريهام عدم التواصل مع خالها، ومنعوه من الدخول إلى بيتهم.
و.خ. أصر على التواصل مع ريهام، اشترى لها بطاقة هاتف، وطلب من صديقتها أن تعطيها إياها، وضرب لها موعداً أمام المدرسة. وعندما وصلت ريهام برفقة والدتها ـــــ أي شقيقته ـــــ اختبأ وراء سيارة كي لا تراه الأم.
في اللحظات الأخيرة التي شوهدت فيها ريهام كانت تتحدث إلى خالها، هذا ما قالته صديقة الفتاة المختفية، خلال جلسة استجواب، وقال شهود مقرّبون من ريهام إنها كانت تعلن في الفترة الأخيرة أن خالها “هو كل شيء” بالنسبة إليها.
من يقرأ الحكم الصادر عن القاضي المنفرد الجزائي في بيروت في 30/5/2008، يلفته أن و.خ. المتهم بإخفاء ريهام أنكر بدايةً واقعة حضوره إلى المدرسة، أو مشاهدة ريهام يوم اختفائها. ثم زعم أن قدومه إلى المدرسة كان بناءً على طلب ريهام، وأن الأخيرة كانت تحب شاباً فلسطينياً يُدعى حسام، وتخاف أن يرفضه ذووها، وأضاف إن حسام وصل إلى المكان الذي كان فيه و.خ. وريهام. وادعى الخال أن ريهام غادرت برفقة حسام، وأنها تزوجته، وأنه عرض مساعدته على إقناع أهل ريهام به، لكنه لم يتعرف على كامل هويته، ولا يعرف شيئاً عن حياته وظروفه. أما صديقة ريهام، فقد أفادت لدى سماعها أمام الضابطة العدلية أن الفتاة المختفية كانت قد أبلغتها سابقاً “نيّتها الرحيل من منزل أهلها بعد بلوغها سن الثامنة عشرة، حيث سيبادر خالها المدعى عليه إلى تأمين مسكن لها”، وأضافت إن المتهم توجّه إليها صبيحة اختفاء ريهام وطلب منها إنكار “واقعة قدومه إلى المدرسة بحجة خوفه على ريهام من أهلها الذين يمنعونها من لقائه”.
تقر المحكمة بأن ريهام متزوجة شابّاً لا تُعرف “كامل هويته” في غياب أية وثيقة تثبت الزواج
“حسام هذا وهميّ” يردّد الأب، يطفئ سيجارة ويشعل أخرى، يأخذ نفساً عميقاً منها، ينظر إلى زوجته، الأم الشابة تحتار ماذا تقول، تحبس دمعتها، وتعتصم بالسكوت أحياناً، ثم تفلت منها جملة صغيرة عن الشقيق السيّئ، تركض إلى الخزانة، تبحث عن أوراق القضية، تقول أي شيء هرباً من السؤال الذي لم تجد له إجابة “أين ابنتي؟”.
في منزل الأسرة “المستورة” في محلة طريق الجديدة، يجتمع الأب والأم والعمّة والأخ الأكبر في غرفة الجلوس الصغيرة، الأخت الصغرى تنزوي في غرفتها، فهي ما عادت تطيق “الحديث العلني عن المصيبة”. أما الشقيقة الوسطى، فقد اختارت عزلة أخرى، رفضت العودة إلى المدرسة والاختلاط بأصدقائها.
حسن عزو والد ريهام موظف في شركة “سوليدير” يعمل في موقف للسيارات، والأم ربة عائلة. يدقّان أبواباً كثيرة، يشعران “بأن الفقير ليس له من يسانده في هذا البلد”، يرفض الأب الخوض في المشاكل الماليّة، لكن الكلمات تفلت منه، يهمس بأن ديونه وصلت إلى 16 ألف دولار، وأنها مرشحة للتفاقم... فالابنة لم تظهر، “هل تزوجت؟ من هو الزوج؟ لماذا لم تظهر؟ ... والأسوأ هل قتلت؟”.
في الحكم الصادر عن القاضي المنفرد الجزائي أُدين و. خ. بالحبس سنة، وبتضمينه مبلغاً قدره عشرة ملايين ليرة.
استأنف المتهم الحكم، أصدرت محكمة الاستئناف في جزاء بيروت حكمها في 11/11/ 2009، وقضت بحبس المتهم و.خ. أربعة أشهر (واحتساب مدة التوقيف من ضمنها) وتغريمه مئتي ألف ليرة.
التمعن في ما جاء في قرار المحكمة، يدفع قارئه إلى طرح عدد من الأسئلة. أوّلها: كيف بنت المحكمة حكماً ضد و.خ. استناداً إلى مقولة زواج ريهام بحسام، وقد جاء في متن القرار أن حسام هذا “مجهول كامل الهوية”، فهل يمكن اعتبار اتصال هاتفي مشكوك في صحته إقراراً بالزواج برجل لا تُعرف كامل هويته، أي إنه غير معروف.
وبناءً علي ذلك، لماذا لم تطلب المحكمة من جهة، ومحامي ذوي ريهام من جهة ثانية، مستنداً من المحاكم المختصة يُثبت زواج ريهام؟ في هذا الإطار، نقرأ في القرار “سقوط الدعوى العامة أو توقفها بحق الفاعل بسبب زواجها به”، ولا نجد تحديداً لهذا الفعل الذي تقر المحكمة بأنه متزوج ريهام، ويأتي هذا الإقرار في غياب أية وثيقة تثبت الزواج.
رأت المحكمة أن عناصر جرم التدخل (هل المقصود التدخل لاختفاء الفتاة؟) غير متوافرة “لأن الخطف لم يحصل لا بالخداع، ولا بالعنف والإكراه”، ولا بد هنا من طرح السؤال كيف يمكن نفي عامل الخداع في عملية اختفاء فتاة قاصر؟ هل اعترفت الفتاة نفسها بذلك؟ بالطبع لا فهي لم تظهر بعد.
علي الحمصي، محامي عائلة ريهام، أكد أن الفتاة لم تُستدعَ للمثول أمام المحكمة للتأكد من واقعة زواجها من جهة، ولمعرفة مصيرها من جهة أخرى، وقال لـ“الأخبار” إن “القاضي لم يطلب من الدوائر المعنية وثيقة تثبت زواج ريهام، وقد طلبنا أن تُستدعى الفتاة ولكن ذلك لم يحصل”، وتساءل الحمصي “لماذا أعطي و.خ. أسباباً تخفيفية؟ هل تبيّن أنه لم يشارك في إخفاء ريهام؟ ألم يدّعِ تزويجها وهي كانت قاصراً؟ هل يمكن الركون إلى أهليّة إرادتها وهي كانت في ذلك الحين تبلغ من العمر 16 عاماً فقط!”.
الحمصي قال “قدمنا مرافعة كاملة في المحكمة الابتدائية، طرحنا فرضية أن تكون الفتاة مقتولة أو معتدى عليها، وفي هذه الحال لا يُحاكم المتهم بجنحة بل بجناية”. والد ريهام لم يجد إجابات عن أسئلته وخوفه وقلقه على ابنته، يرى أن ثمة أملاً وحيداً “وهو يكمن في محكمة التمييز”، أما المحامي، فيردّد “القضية يجب أن تبقى قائمة”، وهو محقّ، فريهام ما زالت مختفية، ولم تقدّم المحكمة، ولا المتهم، ولا الأصدقاء ولا وسائل الإعلام أيّة إجابة عن مكان وجود الفتاة، ولا عن مصيرها، أما قصة زواجها المفترض، فما من وثيقة تثبته، ولا ثمة من يعلن هوية ذلك الزوج.


من يحمي الفقراء؟

حسن عزو طرق جميع الأبواب. الرجل الذي يعمل في موقف سيارات في وسط بيروت، تحدّث إلى صحافيين يعرفهم، سألهم أن يرشدوه كيف يطلّ عبر الشاشات والصحف والمجلات ليطلق “صرخة البحث عن الفتاة”.
لم يكتفِ بذلك، بل حاول لقاء وزير الداخلية زياد بارود، أوقف ضباطاً شاهدهم ليسألهم أن يوصلوه إلى مكتب الوزير. يشكو سوء معاملة البعض له، ويثني على حماسة آخرين لقضيته.
يعترض الرجل على “الحكم التخفيفي” الصادر في حق المتهم، يحمل رسالة كتبها وفيها مناشدة لكل المسؤولين لملاحقة المجرم، ويضيف “أيّ عدالة تلك التي تتغاضى وتتجاهل حقوق المواطنين”، وهو في رسالته يرى أن ثمة من يريد حماية المتهم، ويؤكد أن الأخير يعمل مخبراً لجهة أمنية.
ويلحّ “هل يعقل ألّا تعاود الاتصال بنا... لا نعرف هل هي حية أم ميتة؟”