في اختباره الأول، بدا وزير التربية الجديد الدكتور حسن منيمنة، كأنه اجتاز المحطة بيسر لافت، إن كان في الإمكان اعتبار الوعود وصدق النبرة مقياساً لطريقة تعاطي الوزير مع القضايا التربوية المزمنة. هكذا، جاء متعاقدو التعليم الأساسي إلى السرايا الحكومية للاعتصام فوجدوا أنفسهم في لقاء طويل مع الوزير، انتهى بوعد بإبقاء تعاقدهم في انتظار «دورة ثانية» لمباراة مجلس الخدمة المدنية
فاتن الحاج
“لا دخول إلى ملاك التعليم الأساسي من دون مباراة عبر مجلس الخدمة المدنية”. بهذه اللهجة الحاسمة يأتي جواب وزير التربية والتعليم العالي، الدكتور حسن منيمنة، ليقطع الطريق أمام أي حل مرتجل أو غير قانوني قد يفكّر فيه المتعاقدون، الذين تحلّقوا في مكتبه آتين من اعتصامهم الصباحي أمام السرايا الحكومية، بعد الصدمة التي أحدثتها بينهم نتائج مباراة التثبيت في مرحلة الروضة، حين لم تتجاوز نسبة النجاح 15 % من مجموع المتبارين.
لكن منيمنة، الذي كان أمس في لقائه الأول في ما يخص قضايا وزارته، لم يقفل الباب أمام ما سماه “المخرج المنطقي والمعقول لثغرة نعترف بها وهي ناتجة من التباين بين البرنامج القانوني للمواد واختصاصات الأساتذة، وحاجة هؤلاء إلى الخضوع إلى دورات تأهيلية قبل المبارة، وخصوصاً بعد مرور سنوات طويلة على بداية تعاقدهم مع التعليم الرسمي”.
منيمنة “الإيجابي” وعد المعلمين الخائفين على مستقبلهم، الذين خذلهم الحظ في المباراة بالإبقاء على التعاقد معهم طوال العام الدراسي الحالي. بل أكثر من ذلك قال لهم: “لن أوقّع أي طلب تعاقد جديد”، في إشارة منه إلى عدم نيّته استبدالهم.
لكن وعد الوزير لم يحمل الاطمئنان إلى نفوس المعلمين، فما يريده هؤلاء أن لا تذهب سنوات خدمتهم هباءً منثوراً، ولا سيما أنّه مضى على تعاقد البعض 17 سنة، فهل هم المسؤولون عن السياسات التربوية للوزارات المتعاقبة؟ ماذا عن المتعاقدين الذين تجاوزوا السن التي تسمح لهم بإجراء مباراة عبر مجلس الخدمة المدنية؟ وبأي نفسية سيدخل “الراسبون” إلى صفوفهم، وماذا سيقولون لتلامذتهم وأهاليهم الذين رفض بعضهم تسجيل أبنائهم في المدارس التي رسب فيها المتعاقدون؟ هل سيكون مصيرهم الشارع؟
طلب منيمنة إمهاله 15 يوماً لوضع قضية المعلمين على السكة
“لن نرمي أحداً في الشارع، ولم تفعلها الوزارة يوماً في أي مباراة سابقة”، جواب حاسم آخر للوزير، قبل أن يطلب من المعلمين إمهاله 15 يوماً لإعادة اللقاء بهم من جديد، وإطلاق البحث معاً خلال هذه السنة عن قانون جديد لمباراة جديدة، وإمكان تضمينه ملاحظاتهم من احتساب سنوات الخدمة إلى مراعاة الاختصاصات. هذا الطرح لم يشفِ غليلهم أيضاً، لكونهم قد تعبوا في انتظار الحصول على الاستقرار الوظيفي.
“كنا نتمنّى أن نقول لكم مبروك في ظروف أفضل من هيك”، تقول فاديا شلهوب، المتعاقدة في عكار، للوزير. لكن “النتيجة كانت الضربة القاضية على مستقبلنا”. وتشرح منال شاذبك، المتعاقدة في مرحلة الروضة “أنّه لم يكن بين أيدينا مقرّرات نبني عليها، كما أننا لم نخضع لدورات تعدّنا لاجتياز المباراة”. وتسأل: “كيف تقوّم خبراتنا بسؤال أو سؤالين ونحن نخضع دوريّاً لإشراف من مديرينا والتفتيش التربوي، لماذا لا تعودون إلى تقارير التفتيش؟”.
يسارع الوزير إلى الإعراب عن رغبته في المساهمة في حل المشكلة “شرط أن تكونوا عقلانيين”. وإذا كان هناك تنوّع في حالات المتقدمين للمباراة لجهة الاختصاصات وسنوات الخدمة، وهو حق يسمح به القانون، فلا أحد يستطيع، برأي منيمنة، أن يفرض على مجلس الخدمة المدنية طبيعة الأسئلة التي يمكن أن يطرحها، ما دامت من ضمن المنهج.
تستفز الوزير مطالبة المعلمين بالإيعاز إلى مجلس الخدمة المدنية بإيقاف إعلان نتائج المراحل الأخرى للمباراة، أي الحلقات الأولى والثانية والثالثة، التي يُنتظر أن تصدر تباعاً ابتداءً من السبت المقبل. يدعو المتعاقدين إلى مقاربة الأمور بواقعية، “فمجلس الخدمة مؤسسة مستقلة، ولا أمون عليها، بل لا يحق لي ذلك كوزير”. هنا يتدخل القاضي سميح مداح، الذي حضر اللقاء ليشرح حيثيات القوانين السابقة معلّقاً: “الوزير يتابع الملف بدقة لا متناهية، والوعود التي قطعها لكم موقف متقدم على مستوى الإدارة، والقانون قد لا يقبله حتى مجلس الخدمة، وخصوصاً أنّ المباراة خاضعة لأحكام القانون 442 النافذ حالياً”. ورداً على سؤال عن استجابة المديرين والأهالي لهذا الموقف، بعدما أصبحت كرامة الأساتذة على المحك، أجاب الوزير: “لا تقلقوا سأتولّى شخصياً معالجة الأمر مع المدارس”.
وكان قد سبق اللقاء اعتصام نفّذه معلمو الشمال أمام السرايا الحكومية، هاتفين “وين الوعد يا شيخ سعد؟ نزّلناها زي ما هي، شوفوا شو عملت بهية”. وقد أوفد منيمنة مستشار الوزارة وائل التنير لمحاورة المعتصمين، لكن هؤلاء لم يغادروا المكان قبل أن يرسل رئيس الحكومة سعد الحريري أحد معاونيه، ماهر أبو الخدود للتفاوض معهم، ويكلّف وزير التربية متابعة القضية.
وبينما اعتصم متعاقدو بيروت والضاحية الجنوبية أمام وزارة التربية في الأونيسكو، نُفّذت اعتصامات أمام المناطق التربوية في المحافظات، ولا سيما في زحلة والنبطية. ففي النبطية (كامل جابر) يخترق صوت مديرة روضة كفررمان الرسمية، أنطوانيت الحلو، الضجيج المنبعث من صراخ الأطفال في الملعب. تحاول أن تهدّئ من روعهم، بينما معلماتهم كُنّ يعتصمن في الخارج احتجاجاً على المباراة التي أدت إلى نجاح 12 معلمة في محافظة النبطية من أصل 54. أمّا الحلو، فعبّرت عن صدمتها بالنتيجة التي ستقفل المدرسة، بعدما “أصبح لها اسم معروف بفضل العطاء المميز لمعلماتها”. وقالت لـ“الأخبار”: “لا أشكّك في نزاهة مجلس الخدمة المدنية، لكن المطلوب التطبيق لا العمل النظري، ومعلماتنا نجحن في ممارستهن العملية”.
وطالبت زينة شكرون باسم المعتصمات بضرورة إيجاد حل سريع، معلنةً الاستمرار في التحرك بالتنسيق مع باقي المحافظات. بعد ذلك، سلّمت المعتصمات رئيسة المنطقة التربوية في النبطية، نشأت حبحاب، مذكّرة بمطالبهن.