محمد خواجة *بعد نجاح البروباغندا الإسرائيلية في تحويل ملف «النووي» الإيراني إلى قضية كونية، بدأت الدولة العبرية بتدوير بوصلتها الدعائية، هذه المرّة، باتجاه البرنامج الصاروخي الإيراني، وتسعى إلى تصويره خطراً وشيكاً يهدّد العمق الأوروبي، فضلاً عن كيانها. ويزعم الإسرائيليون بأن إيران تطوّر تقنيات صناعة الأقمار الصناعية، لاستخدام منصّاتها في ما بعد، في مجال إطلاق صواريخ بالستية عابرة للقارّات، تعمل بالوقود الصلب، لتسهيل عملية إطلاقها خلال وقت قصير، ما يزيد من صعوبة كشفها واستهدافها. ويضيف الإسرائيليون بأن مدى تلك الصواريخ يتعدّى 4000 كلم، بحيث تصبح قادرة على استهداف مدن مثل روما وفيينا وبرلين وغيرها من العواصم الأوروبية.
لكن، إذا أودعنا المغالاة الإسرائيلية جانباً، ما هي القدرة الفعلية لترسانة الصواريخ الإيرانية؟ بعد انتصار الثورة في إيران، عمدت الولايات المتحّدة والغرب إلى محاصرتها، وقطع إمدادات السلاح عنها، واستنفدت الحرب الطويلة مع العراق (8 سنوات) كل مخزونها من أسلحة معدّات وذخائر. وبنتيجة الحصار، عمدت الجمهورية الإسلامية إلى الاعتماد على الذات؛ واتجه خط التصنيع لديها، نحو الصواريخ بكل أنواعها. وبُذل الجهد الرئيسي على قطاع النيران القوسية أو صواريخ أرض ـــــ أرض، إضافة إلى إنتاج الصواريخ الطوربيدات والألغام المضّادة للغواصات والسفن الحربية، والمدرّعات والطائرات.
في العقدين الأخيرين، استعانت طهران بخبرات روسية وصينية وكورية شمالية، لتحديث برنامجها الصاروخي؛ فتمّ التركيز على الصواريخ البالستية من سلالة «شهاب» وغيرها. فنظراً لموقع بلادهم، وعدم وجود تماس جغرافي مع الأعداء المحتملين، يعتقد الإيرانيون أن المواجهة المحتملة ستعتمد على الضربات البعيدة المدى. وفي مقابل امتلاك الأميركيين والإسرائيليين للذراع الجويّة المتفوقة، والصواريخ العالية الدقّة، ركّز الإيرانيون على الصواريخ البالستية كذراع طويلة، للدفاع عن أنفسهم. وقد استفادوا من تجربة الحرب الإسرائيلية على لبنان صيف 2006، التي رأها العديد من الخبراء العسكريين، نموذجاً مصغّراً عن الحرب الأميركية الإسرائيلية المفترضة ضد إيران. وقد كشفت المقاومة اللبنانية، في تلك الحرب، البطن الرخوة للدولة العبرية ـــــ الجبهة الداخلية ـــــ بواسطة الصواريخ المنحنية.
أما بخصوص القدرة الصاروخية العملية لإيران، فمن المؤكد امتلاكها لصواريخ «شهاب1» (300 كلم)، و«شهاب2» (450 كلم) و«شهاب 3» (1500 كلم)، وقد اختبرت بنجاح في نهاية شهر أيلول الماضي، أثناء مناورات «الرسول الأعظم 4». وصاروخ «شهاب 3» هو نسخة معدّلة عن صاروخ «نودونغ» الكوري الشمالي، الذي بدوره يعدّ طرازاً محدثاً عن صاروخ «سكاد» الروسي. ويحمل رأساً متفجّراً زنته 750 كلغ. وشهاب 3 قادر على استهداف العمق الإسرائيلي، والقواعد الأميركية المنتشرة في العراق ودول الخليج. وقد تم توظيف تكنولوجيا الصاروخ هذا في تصميم الصاروخ الحامل «سفير»، الذي أطلق بواسطته القمر الصناعي الإيراني الأول «أميد» إلى المدار الخارجي. وفي السياق ذاته، نقلت وكالة نوفوستي عن مصادر عسكرية، أن صاروخ «شهاب 4» لم ينضم إلى الترسانة الصاروخية الإيرانية حتى الآن، وما زال في طور التجربة، على عكس الادّعاء الإسرائيلي. هذا الصاروخ يصل مداه إلى 2000 كلم، ويحمل رأساً حربياً زنته 1000 كلغ من المواد المتفجرة، كما يمكن تزويده برؤوس كيماوية وبيولوجية وحتى نووية. ربّما بسبب هذا العامل برزت خشية الإسرائيليين الذين يدركون بأن توفير وسيلة نقل الرؤوس النووية إلى أهدافها، لا تقلّ شأناً عن تصنيعها. وذكرت تقارير روسية أنّ طهران تسعى إلى إنتاج صواريخ «شهاب 5» (3500 كلم) و«شهاب 6» التي يصل مداها إلى 5500 كلم. وفي عام 2008، قال الخبير المصري اللواء حسام سويلم، استناداً إلى مصادر أجنبية «إن إيران اشترت صواريخ كورية شمالية متطوّرة، من طراز «BM-25» يصل مداها إلى 2500 كلم». أخيراً، أكّدت صحيفة «Bild» الألمانية نبأ حصول طهران على هذه الصواريخ. ويستند صاروخ BM-25 في صناعته إلى الصاروخ البالستي الروسي من طراز «SS-N-6». إضافة إلى ما تقدّم، تحوي الترسانة الإيرانية عدداً غير محدود من الصواريخ ذات المدى القريب والمتوسط.
ويعوّل الإيرانيون كثيراً على تلك الترسانة، ويولونها اهتماماً خاصّاً، لكونها إحدى وسائل الردع الرئيسية لديهم، في مواجهة أي حرب ضدّهم. ولا شك أن أعداءهم، ولا سيّما الإسرائيليين يأخذون هذا العامل في حساباتهم، ويدركون بأن هذه الصواريخ ستأخذ طريقها إلى عمقهم، في حال إقدامهم على توجيه ضربات جوّية أو نارّية، ضد المنشآت «النووية» الإيرانية. ونظراً لوجود هذا الخطر الماثل، تعمل الدولة العبرية بطريقة مكثفة، لإنجاز منظومة «القبّة الفولاذية» المضادة للصواريخ. وفي هذا السياق، ستجرى المناورات الأميركية الإسرائيلية المشتركة، التي تحمل اسم «جونيفر كوبرا» في الأسبوع المقبل، لاختبار فعالية منظومات الصواريخ الاعتراضية من طراز «ثاد» و«باتريوت ـ Poc3» و«إيجيس» الأميركية، و«حيتس2» و«هوك» الإسرائيلية.
إن فعالية البرنامج الصاروخي الإيراني لا تحجب طابعه الدفاعي البحت، والتهويل الإسرائيلي ودعايته يهدفان إلى تجييش الرأي العام الغربي وتخويفه، لتحويله إلى قوة ضاغطة، للجم مسار هذا البرنامج. لكن التجربة دلّت على أن إيران، لديها الكثير من الدأب والأناة والصبر، وفوق هذا كلّه تمتلك الإرادة الصلبة والقرار الحاسم.
* باحث في الشؤون العسكريّة