قرار تشعيب كلية علوم الجامعة اللبنانية أعاد النقاش حول رؤية السلطة السياسية لوظيفة الجامعة. فالقرار الذي يعزز لامركزية يطالب بها اللبنانيون، يثير مواجع الذاكرة لخطورة تعزيزه الفرز الطائفي. فهل القرار أكاديمي أم سياسي؟
فاتن الحاج
ليس غريباً أن يحمل قرار تشعيب كلية العلوم في الجامعة اللبنانية الطمأنينة إلى قلوب الطلاب وأهاليهم. فمن حق هؤلاء على دولتهم أن تكون لهم كليات تؤمن لهم التعليم الجامعي الرسمي وتثبتهم في مناطقهم في ظل هذا الواقع الاقتصادي المنهك. لكن، إذا سلّمنا جدلاً بإيجابية الخطوة على المستوى التنموي، فهل وُفرت لها شروط العمل الأكاديمي؟ بمعنى: هل أجريت استطلاعات ميدانية للاختصاصات التي تحتاج إليها مناطق التشعيب في بنت جبيل وعكار وبعلبك وعمشيت؟ ومن قال إنّ الإنماء المتوازن محصور بكلية واحدة دون غيرها من كليات الجامعة. من يعرف؟ أليس من الأجدى إنشاء شُعب لكلية الزراعة، وخصوصاً أنها تلبي حاجات الطلاب في بيئاتهم الجغرافية التي هي منطقة ريفية زراعية؟ وإذا كان الهدف هو عدم ترك المنطقة مكشوفة للجامعات الخاصة، وهي حجة إدارة الجامعة، فهل يمكن مواجهة هذه الجامعات بدون خطة لتطوير الجامعة الوطنية بما يلبي حاجات سوق العمل؟ ماذا عن تأمين مقوّمات التعليم الجيد في هذه الشعب، من مبانٍ ومختبرات وتجهيزات وهيئة تعليمية؟ ألا ينهك هذا التشعيب موازنة الجامعة لجهة بعثرة الإمكانات الأكاديمية على حساب نوعية التعليم؟ ثم ماذا لو كان القرار تنفيعة لجهات سياسية بهدف التوظيف السياسي والانتخابي؟
مناسبة هذه الأسئلة هو السياق الذي تطورت به «الأحداث» قبل قرار التشعيب. فبعد لقاء بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الجامعة الدكتور زهير شكر بحضور د. حسن زين الدين، المسؤول التربوي المركزي في حركة أمل وعراب شعبة بنت جبيل، «تكفل الرئيس بري بتذليل العقبات السياسية»، بحسب زين الدين أمام إنشاء هذه الشعبة، بينما تابع رئيس الجامعة المتطلبات الأكاديمية والإدارية للأمر نفسه. هذه الخطوة فتحت شهية تيار المستقبل فطالب بافتتاح شعبة ثانية في عكار. هكذا زار النائب خالد زهرمان في أيلول الماضي عميد الكلية الدكتور علي منيمنة وأبدى استعداد التيار للبحث في تغطية تكاليف التجهيزات اللازمة من تبرعات المجالس البلدية أو المؤسسات التربويّة الخاصة، كمؤسّسة الحريري.
ازدادت شهية القوى السياسية لإيجاد شعب للجامعة في المناطق
أما زين الدين فيبدو فخوراً بشعبة بنت جبيل التي تديرها الدكتورة ريمان عون من رميش، والتي انطلقت الدراسة فيها الاثنين الماضي، حيث قارب عدد الطلاب في السنة الأولى 70. ومن المتوقع أن تنطلق الدراسة في الشعب الأخرى نهاية الشهر الجاري، إذ تردد أن رئيس الجامعة متحمس لشعبة بعلبك، ورئيس الجمهورية ينظر بعين الرضى إلى شعبة في عمشيت.
«لا مانع أن يكون القرار نابعاً من حاجة أكاديمية بغطاء سياسي أفضل من أن يكون حاجة سياسية بغطاء أكاديمي كما كان يحصل في السابق»، يقول زين الدين، رداً على سؤال، ويردف «للمرة الأولى يكون التفريع مجدياً، إذ يهمنا أهل عكار الذين لا يستطيعون أن يقصدوا طرابلس لضيق الحال، تماماً كما أهل بنت جبيل، فإذا كان هذا هو الثمن السياسي الذي يتحدثون عنه فنحن سعداء به». لا بل إنه يعتبر الشعبة «تجسيداً للتنمية المتكاملة لمنطقة الشريط الحدودي عبر التعليم العالي».
ولما كانت الموازنة صفراً، كان خيار التوجه إلى اتحاد بلديات بنت جبيل في سياق انفتاح الجامعة على مؤسسات المجتمع المدني، «فطلبت الجامعة المساعدة من الاتحاد الذي تعهد بتأمين كل التكاليف الضرورية لانطلاقة الشعبة واستمراريتها» كما أعلن خيّرون المساهمة في إنجاح التجربة كما يقول.
تأمنت القرطاسية، لكن ماذا عن توفير الكادر التعليمي؟ يوضح زين الدين «أنّ الجامعة ستستعين بالأساتذة من ذوي الكفاءات العالية في الملاك والتفرغ ليساهموا في انطلاقة الشعب. كما سيجري التعاقد مع أساتذة جدد».
لكن لم كلية العلوم؟ يشير زين الدين إلى أنّ عدد طلاب الكلية في فروعها كلها تضاعف مرتين في 5 سنوات، ووصل هذه السنة إلى 11 ألفاً. ويرى أنّ القرار هو علاج لمشكلة الأعداد الكثيفة للطلاب التي تنعكس سلباً على سعة الصفوف، ما يؤثر على أداء الأستاذ واستيعاب الطلاب.
عملياً، وقّع عميد الكلية عشرات طلبات الانتقال من الفرعين الأول والثاني إلى شعبة بنت جبيل، أما بالنسبة لشبح تكريس الفرز الطائفي، فيقول زين الدين: «عندما ذهب طلاب الشريط الحدودي إلى بيروت انقسموا بين الفرعين الأول والثاني، وعندما عادوا إلى بنت جبيل اندمجوا».
لكن رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة ليست مسرورة من هذه الخطوة. يتحفظ د. نزيه خياط، أمين الإعلام في الهيئة التنفيذية للرابطة، على القرار «لأسباب أكاديمية»، كما يقول. وإذا كان للخطوة من إيجابيات، فالإيجابية الوحيدة التي يراها هي حل مسألة تنقل الطلاب من أماكن سكنهم إلى كلياتهم. ما عدا ذلك؟ قرار التشعيب اتخذ، برأيه، من دون احترام الأصول الأكاديمية، «فأي قرار لإنشاء شعب جديدة على مستوى الكليات يجب أن يصدر عن مجلس الكلية الذي يرأسها عميد، وبعد أخذ موافقة مجلس الجامعة عليها. لكن بما أنّ العمداء الحاليين في الجامعة ليست لهم صفة سوى تصريف الأعمال فهذا القرار يعد خرقاً فاضحاً، لأن إنشاء الشعب لا يدخل ضمن هذه المهمة، بل هو ممارسة صلاحيات كاملة لعميد أصيل لم يُعيّن حتى الآن».
ويذهب خياط إلى أبعد من ذلك ليقول إنّ أي تشعيب لأي كلية يجب أن يندرج ضمن خطة نهوض أكاديمية بالجامعة اللبنانية، وبالتالي تحديد أي جامعة لبنانية نريد. وهنا يطالب بوضع قضية الجامعة الوطنية ومشاكلها على بساط البحث بدلاً من اللجوء إلى هذا «العمل المجتزأ العفوي». ويسأل: «إذا كانت هناك فعلاً خطة للجامعة فلِمَ لم تبصر النور بعد؟ هل هي أسرار دولة؟».
«لا يعني هذا الموقف أننا ضد اللامركزية الإنمائية»، يستدرك الخياط، «لكن ما نريده أن يحصل متخرجو الجامعة على فرص عمل ملائمة وألا يكونوا أرقاماً إضافية في سوق البطالة، نريد ألا تكون هذه الخطوة ترضية لقوى سياسية تريد أن تضخ موظفين وأساتذة متعاقدين بالساعة، وبالتالي تتحول الجامعة إلى مركز انتفاع لجميع القوى من دون استثناء، ما يناقض المصلحة البعيدة لطلاب الجامعة».
يستند خياط في موقفه إلى «معلومات وردتنا من رؤساء أقسام في الكلية تفيد بأنّ بعض المواد لا أساتذة لها». كما لا يعتقد أنّ المباني التي اختيرت مقراً، وهي مدارس ابتدائية، تلائم الشروط الواجب توافرها بالتعليم الجامعي.
كذلك، لا يوافق الرجل على أنّ الإنماء المتوازن ينطبق على هذا التشعيب، ويسأل: «ماذا عن إنشاء مجمع جامعي في النبطية بعدما أصبحت هذه الأخيرة محافظة؟ وخصوصاً أنّ النائب علي عسيران أبدى استعداده للتبرع بقطعة أرض كبيرة؟».
ويخلص إلى أنّه ليس مطلوباً إفراغ الجامعة من أهدافها وإضعاف بنيتها. فقرار التشعيب الذي لا يستند إلى آليات العمل الأكاديمي يمكن تفاديه باعتبار أنّ الأجدى بعد صدور قانون المجالس التمثيلية هو تعيين العمداء.


الإنماء التربوي هو القاعدة

يوضح رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور زهير شكر (الصورة)، أنّ قرار تشعيب الكليات في الجامعة يحتاج إلى موافقة وزارة التربية، ويستند إلى المرسوم الرقم 16402 تاريخ 21/2/2006 (تعيين رئيس الجامعة اللبنانية) والقانون الرقم 75/67 تاريخ 26/12/1967 وتعديلاته (تنظيم الجامعة اللبنانية) إضافة إلى المرسوم 1167 تاريخ 15/4/1978 (تفويض رئيس الجامعة بت بعض المواضيع). وينفي شكر لـ«الأخبار» أن يكون القرار ترضية سياسية، بل هو نابع من حاجة الطلاب لتثبيتهم في مناطقهم على قاعدة الإنماء التربوي. أما لماذا طال التشعيب كلية العلوم دون سواها فيقول: «كلية العلوم من الكليات المفتوحة التي تعد غالبية أساتذة التعليم المتوسط والثانوي في لبنان». ماذا عن حاجة هذه الشعب للمختبرات البحثية وكيف جرى تأمين الأساتذة؟ يجيب: «طلاب السنة الأولى التحضيرية لا يحتاجون للدخول إلى المختبرات، أما بالنسبة للهيئة التعليمية فقد تأمّن الأساتذة المتخصصون لمختلف المواد قبل اتخاذ قرار التشعيب، وبناءً على إفادة عميد الكلية بتوافر أساتذة لتدريس مختلف المواد، كما أن الأعباء المالية ضئيلة جداً وتقتصر على 1300 ساعة تدريس في كل شعبة».