أصدرت محكمة المطبوعات حكماً بإدانة الأستاذ الجامعي أدونيس العكره بسبب كتابه «عندما صار اسمي 16»، فقضت بتغريمه مبلغ عشرة ملايين ليرة لبنانية لنيله من سمعة الجيش والقضاء. الأستاذ في كلية القيادة والأركان يتحدث عن تمييز في الأحكام بحق بعض المواطنين، ويستاء لاعتبار المحكمة ما ورد في كتابه مسّاً بالمؤسسة العسكرية، التي يحترمها ويحترم ضبّاطها، الذين علّم بعضاً منهم.
بيسان طي
شكوى المثقفين من ممارسات ورقابة يتولّاها عناصر مؤسسات أمنية، أمر بات معتاداً. لم يعد من المفاجئ أن يمنع رقيب عرض فيلم أو مسرحية، لكن قضية الدكتور أدونيس العكره تفتح باباً جديداً، نحن أمام مثقف غاضب من حكم قضائي.
أول من أمس أصدرت محكمة المطبوعات في بيروت برئاسة القاضي روكز رزق، وعضوية المستشارين البير قيومجي ونوال صليبا، حكمها في دعوى كتاب الدكتور أدونيس العكره، عنوانه “عندما صار اسمي 16”. جاء في الحكم أن الكتاب “تضمّن مسّاً بسمعة الجيش والقضاء”، وقد قضى حكم المحكمة بإدانة العكره “سنداً إلى أحكام المادتين 3 و22 من المرسوم الاشتراعي الرقم 102/77 معطوفتَين على المادة 26 منه، وعلى المادتين 383 و385 عقوبات، وتغريمه مبلغ عشرة ملايين ليرة”.
تبين لي أن في محضر التحقيق أسئلة لم توجّه إليّ وإجابات لم أُدلِ بها
يرتكز الكتاب إلى أحداث 7 آب 2001، وتعرّض منتمين إلى التيار الوطني الحر وقادة فيه للاعتقال. يسرد العكره بأسلوب يجمع بين الرواية والتأريخ قصة اعتقاله في اليرزة والتحقيق معه، ثم الأيام العشرة التي قضاها في المستشفى. القارئ يتابع هذه “المحطة” من حياة العكره وزملائه، ومن حياة لبنان السياسية. بعدما انتهت هذه التجربة المريرة، كتب العكره كتابه، ليصدر عن دار الطليعة قبل أكثر من ستّ سنوات.
الدكتور أدونيس العكره أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية، رئيس لجنة الدراسات في التيار الوطني الحر، وهو واحد من أشهر المثقفين والمشتغلين على مفهوم المواطنية في لبنان.
عند صدور الحكم القضائي أمس عبّر العكره عن حزن عميق، فعلاقته بمؤسسة الجيش اللبناني قديمة، وهو يؤكد أنه لا يمكن أن يمسّ بسمعتها، وأن ما جاء في كتابه “يُقال في عيد للجيش، ما أثار استيائي واستغرابي هو اتهامي بالنيل من سمعة الجيش”، ثم يغلب الحزن الغضب، توحي نبرة صوت الدكتور العكره ونظرة عينيه بألم كبير، القضية أكبر من احترام مواطن لمؤسسة الجيش، يروي العكره أنه بدأ التدريس في كلية القيادة والأركان منذ عام 1980 “وقد كنت أدرّس يومين ومجّاناً”، و“لم تكن هذه الحصص التي أدرّسها في هذه الكلية من نصاب التعليم في الجامعة”، لم ينقطع العكره عن “أداء الواجب رغم تدنّي سعر الليرة، وقيمة راتب الأستاذ الجامعي في إحدى المراحل، حتى بلغ 85 دولاراً فقط، كنت أستدين في آخر الشهر كي أوفّر البنزين للفياضية، فيما أنا كنت أدرس في الجامعة اللبنانية في طرابلس”.
الأحكام الاستنسابية أو التمييز بين المواطنين سيدفع إلى فقدان الثقة بالقضاء
يقول العكره إن “الحكم بالإساءة إلى الجيش جرى استناداً إلى ما كتبته عن المعاملة السيئة التي تعرّضنا لها عند توقيف أفراد في الجيش لنا، وذلك لا يمثّل إساءة إلى المؤسسة، بل شكوى من تصرف عدد بسيط من أفرادها”.
أما في ما يتعلق بالمس بسمعة القضاء، فإن العكره قال إنه “جرى الاستناد إلى ما كتبته، فعندما مثَلت أمام المحكمة العسكرية، قلت إن تقرير المحقق في وزارة الدفاع، وقّعته وأنا معصوب العينين، ولاحقاً تبين لي أن في محضر التحقيق أسئلة لم توجّه إليّ، وإجابات لم أدلِ بها، وقد كتبت في الكتاب أني لم أكن أعرف أن القضاء في لبنان يُحاكم الناس على ما في مكنونات قلوبهم، أنا بذلك ألجأ إلى القضاء، وأشكو همّي له من التحقيق الظالم في حقي، فهل في ذلك إساءة إلى القضاء!”. يتوقف العكره طويلاً عند التهم التي ساقها اللواء جميل السيد ضد القضاء اللبناني، وضد النائب العام التمييزي سعيد ميرزا، وقد كرّر السيد كلامه في غير مناسبة، وخلال مؤتمرات صحافية عقدها، وغطّتها وسائل إعلام مكتوبة، ومرئية ومسموعة. وتضمّن كلامه اتهامات بالكذب والإجرام ... “ولم يتحرك القضاء ولو من خلال إصدار بيان صحافي للرد على السيد، ألا يعكس هذا التصرف تمييزاً في حق المواطنين؟”، يقارن العكره تجربته مع القضاء ـــــ ويقصد ما كتبه في هذا الإطار ـــــ بتجربة اللواء السيد ـــــ أي الاتهامات التي وجّهها إلى القضاء اللبناني، فيقول “المواطنون متساوون أمام القانون، ولكن عندما يقع تمييز بين المواطنين من جانب من يحكم بينهم، فإننا بذلك نشهد آخر أيام الدولة والوطن، ذكّرتني تجربتي بالحكم الستاليني الاستنسابي”. وكان العكره قد أعلن في حديث تلفزيوني أنه لن يتقدم بدعوى لاستئناف الحكم إذا جرت مساءلة اللواء السيد عن الاتهامات التي ساقها ضد القضاء, وفي كلام مع “الأخبار” رأى أن “الأحكام الاستنسابية، أو التمييز بين المواطنين سيدفع إلى فقدان الثقة بالقضاء”.
العكره من المثقّفين والمشتغلين على مفهوم المواطنية في لبنان
يتحدث العكره عن غصة أخرى، يقول “ما ساءني أيضاً في هذا الحكم أن القضية صار عمرها ست سنوات وثمانية أشهر، خلال هذه الفترة توفي ناشر الكتاب بشير الداعوق، وهو كان يأمل أن يصدر الحكم في القضية بتبرئة “عندما صار رقمي 16”، لأن الكتاب مصادَر، لكن الداعوق لم يعش حتى يسمع النطق بالحكم، كما أن الدفاع عن هذه القضية تولّاه المحاميان جان سلوان والدكتور منيف حمدان، وقد توفي سلوان، ولم تنته القضية، في إحدى الجلسات قلت قد ينتظرونني رحيلي حتى يصدر الحكم”. في هذا الإطار يذكّر العكره بأن ثلاثة قضاة تعاقبوا على النظر في هذه القضية، وأن القاضي رزق تسلّم القضية قبل فترة وجيزة، ويروي العكره أن “القاضي رزق وهو تحت قوس المحكمة سأل في إحدى الجلسات عن الكتاب، وما يتضمنه، سائلاً: شو قصة هالكتاب”، مضيفاً “أعتقد أنه استند في إصدار الحكم إلى التقرير الذي أُعدّ أيام القاضي عدنان عضوم، أعتقد أنه كان من الضروري مراجعة مطالعات الدفاع في هذه القضية، التي يزيد عمرها كما ذكرت على الست سنوات”.
يُذكر أن الكتاب يلفت إلى أن العكره ـــــ وفق ما جاء في كتابه ـــــ كان في 7 أب 2001 متوجّهاً إلى أنطلياس لحضور اجتماع الهيئة العامة في التيار الوطني الحر، ومن بين الحاضرين كان “اللواء نديم لطيف ـــــ الممثل الشخصي للعماد ميشال عون”. أما “يوم صار اسمي 16” وفق ما جاء في الكتاب، فذلك جرى يوم الجمعة 10 آب 2001، ويورد العكره أن رأسه أُدخل في قماشة كبيرة، وقد علقت قماشة على صدره، ويضيف إن أحد الجنود قال له “صار اسمك 16، كلّما سمعت هذا الرقم، أجِب: نعم، حاضر...”.


عن الكتاب

كتاب الدكتور أدونيس العكره يحمل عنوان “عندما صار اسمي 16، خمسة عشر يوماً في الاعتقال”، طُبع في دار الطليعة للطباعة والنشر ـــــ بيروت، وذلك في كانون الثاني ـــــ2003 أي بعد نحو سنة ونصف سنة من مرحلة الاعتقال، وقدّم له الدكتور منيف حمدان. يقع الكتاب في 190 صفحة من القطع الوسط، ويتألف من تقديم وخاتمة “قدرها أن تكون مقدمة”، وسبعة فصول، إضافةً إلى ملحق صغير لصور قمع تعرّض له ناشطون في التيار على يد قوى أمنية. يؤرّخ الكاتب لما تعرّض له ناشطون ومنتمون إلى التيار الوطني الحر في آب 2001، ولكن الكتاب ليس وثيقة سياسية، طعّمه الكاتب بأسلوبه الروائي.